لماذا يولي المسيحيون المشارقة أهمية كبرى لما يسمونه المجمع المقدس؟ هم لا يقدسون العدد إلا بمعنى أنه إشارة إلى إلهام الروح الإلهي إذ الكثرة تخطئ كالقلة والكلمة ليست كلمة العدد. إنها كلمة الله. نحن ما قلنا مرة إن المجمعية بسبب حجمها أفضل من المركزية البابوية فالمركزية البابوية نفسها في لاهوتها المعاصر تزعم أنها ليست تجاوزاً للمجمعية. وليس في المسيحية المعاصرة من خلاف بين الكثرة والقلة. دائما كان الخلاف بين الصواب والخطأ. الإجماع أو شبه الإجماع مجرد إشارة إلى صواب ينزل من عند الله وتبقى الحقيقة للانجلاء الذي يظهره الرب عند نزول حكمته.
في الحكمة البشرية الاجتماع أفضل من الإنفراد لأنه عادة أقل انفعالاً أي أقل تحزباً. أجل يمكن أن تجمع الأمة على خطأ والحقيقة ليس لها معيار إلا نفسها ولكن على المرء أن يسعى. في كنيستي صواب القرارات المتخذة في المجمع لا يأتي من العدد. انه ينزل من استدعائنا الروح القدس. لا نقرر ما يروقنا بشرياً، هذا في المبدأ، نقرر ما يروق الروح القدس. الكنيسة الكاثوليكية ما قالت مرة إن قرار البابا في المبادئ صحيح لكونه صدر عنه، تقول إن البابا مجرد بوق لله. البشر لا يزيدون شيئاً على الله. والكنيسة ليست مصدر وحي. انها ناقلة الوحي، شارحة أو منفذة في الآن. نحن لا نقول إن للأساقفة وقاراً إذا اجتمعوا، نقول نقبل ما قالوه عندما نوقن أنه قول الله. ليس مخلوق بحد نفسه خزانة للروح. الروح يختار من يشاء. فالمجمع في اليونانية (سينوذس) يعني، لغة، الذين يسيرون معاً على الطريق والمعنى أن ثمة طريقاً واحدة وان كلهم اختاروها ليكونوا معاً. هي تجمعهم وتساوي في ما بينهم. وحدتهم في وحدة الطريق. نحن الأرثوذكسيين غير صحيح أننا نؤثر النظام المجمعي بحد نفسه على مركزية الواحد. نحن نوقن أننا بالصلاة نستقبل الروح الإلهي علينا. فغير صحيح أن الأرثوذكسية نظام ديموقراطي. هذا من البشرة. هي ليست بنظام فالمجامع تخطئ وكثيراً ما أخطأت. ليس هناك من نظام. هناك ناس ينتظمون بالروح القدس أو لا ينتظمون. نحن نرجو أن الذين استدعوا الروح الإلهي عند اجتماعهم قريبون من الروح الإلهي. ولكن نعرف أن المسيح الدجال جالس في الهيكل وأننا رقباء على استقامة الرأي في الهيكل.
الشيطان يجلس أحياناً في الهيكل ويبطل هذا أن يكون بيت الله. وهذا نتبينه من استقامة الرأي أي من طهارة الروح. ليس من ترادف بين قداسة الله وأي مجمع دعي مقدساً. هذا رجاء فقط. ولكن علينا أن نسهر على استقامة الرأي ومنها استقامة القرار، كل قرار. ليس صحيحاً أن ثمة قراراً متعلقاً بالعقيدة وقراراً محض إداري. سلامة العقيدة منطوية أو غير منطوية في القرار. لذلك ليس من مساومة على صعيد أي قرار. نحن في الكنيسة لا نأتي بفكر جديد أي لا يوحي به الوحي. نحن نقول قول الله أو لا نقوله وذلك في أبسط قرار.
الكنيسة لا تنشئ فكراً. توضح الفكر الإلهي وتجعل له تعابير ليفهم القارئ. لكن الكنيسة ليست مصدر وحي، هي خزانة الوحي وإبداعها في النقل أي في ترجمة الفكر الإلهي بقوالب العصر. ليفهم الفكر الإلهي على حقيقته في لغة الناس، ليتأنسن.
في الفكر الأرثوذكسي لا ينشئ مجمع المطارنة فكراً غير مستقى من الوحي. هو يترجم الوحي. وعمل المجامع المقدسة ليس اكتشاف وحي لم ينزل. إنه توضيح ما نزل. الفكر البشري ليس مصدر تعليم لنا. هو شرح لكلمة الله. ليست المسيحية ألوهة مخلوطة ببشرية. البشرة لا تزيد شيئاً على الألوهة. تنقلها. علاقة الألوهة بالبشرة في الكلام الكنسي على صورة علاقة الألوهة بالبشرة في التجسد حيث لا يُلغى الجسد ولا تذوب الألوهة. هذا هو سر الاتحاد بين الطبيعتين حيث لا انفصال ولكن ليس تشويش.
ليس للحقيقة معيار. انها معيار لنفسها. لذلك لا نرى لمجمع المطارنة قدسية بحد نفسه. لذلك ليس من معنى أن للمجمع قدسية لمجرد أنه انعقد. قدسيته تأتي من الإلهام النازل عليه ومن محاولة كل أسقف للقداسة. ليس من مجمع خارج المجتمعين.
المجمع لا نسميه مقدساً لاحتسابنا ان المجتمعين قديسون بمعنى النزاهة المرتجاة. انه مقدس بوعد الروح وبعزم المجتمعين إذا اجتمعوا بدعوة من الروح. الكنيسة تتقدس في القداس الإلهي لكونها تستدعي الروح على ذاتها فينزل بحبه للناس. يخطئ من ظن أن المجمع مقدس بسبب من انعقاده. ليس هذا في النصوص. النصوص تتكلم عن آباء قديسين أي ليس من قداسة للمجمع خارجة عمن يؤلفونه. ليس لأسقف حق أن يسمي المجمع مقدساً إلا على سبيل الرجاء أي إذا قرر هذا الأسقف أن يتوب. ليس من ذات مجمعية. ليس من مجمع إلا في المطارنة كما هم فإذا قرروا القداسة فهو منها. ليس المجمع مقدساً خارج إرادات المطارنة مجتمعة على الحق والبر.
إذا كان الأساقفة رقباء على الحقيقة كما يعني اسمهم في اليونانية فالكنيسة قائمة، وإذا كانوا في غفوة عميقة فالكنيسة معرضة للنوم بسبب منهم.
إذا كانت الكنيسة في أسقفها حقاً فهو موجود وكلامه كلامها، وإذا أتى هو منها تأتي بدورها منه.