إنَّه لأمرٌ مستغربٌ حقًّا أن يَسعى الربُّ إلى صداقتِنا بكلّ طريقة، ونقابلَهُ بانعدامِ الغيرةِ لاقتناء صداقتِه؛ وأن يدعوَنا لنَرثَ خيراتِه، ونقابلَه بالتّهاوُنِ واللامبالاة.
يا إلهي! أتدعونا نحنُ التّافهين والضّعفاء والخطأة أصدقاءَك، أنتَ العظيمَ والكليَّ القدرةِ والإلهَ المعصومَ عن الخطأ وخالقَ الكونِ وسيّدَه؟!
إذًا، أَيُّ جهادٍ علينا خَوضُه لأجلِ صداقةٍ كهذه؟ وأيّةَ صعوباتٍ علينا أن نحتمل، نحن الذينَ نُخاطرُ بحياتِنا مرّاتٍ كثيرة لأجل صداقةٍ إنسانيّة؟! لكنّنا في الواقع لا نحتملُ شيئًا ولا نجاهدُ أبدًا ولا نتمّمُ أيًّا مِن وصايا المسيح. يجب أن نبكيَ فعلاً ونحزنَ على ما وصلت إليه حالُنا. لقد دعانا الله إلى السّماء ونحن فضَّلنا الجحيم. لقد سمحنا للشَّيطان أن يجرّدنا من كلّ العطايا الإلهيّة، وبهذه الطريقة بِتنا لا نختلفُ في شيءٍ عن أعداءِ الله الذين يسخرون من عظَمتِه ويخالفون ناموسَه. إنّني أصرخ مع النبيّ: “ويلٌ لي فقد بادَ التّقيُّ من الأرض وليس مستقيمٌ بين النّاس”.
قد يقولُ بعضُكم بتأفُّفٍ: “يكلّمنا دائمًا عن الدّموع والبكاء. كلّ شيءٍ يراه أسودَ وحزينًا”. كيف لا أبكي ونحن نستحقُّ البكاء؟ وكيف لا أنوح وأعمالُنا تستحقّ النّوح؟ لماذا يزعجكم بُكائي ولا تزعجكُم خطاياكم؟ لماذا تستهجنون نَوحي ولا تستهجنون سلوكَكم العاصي؟ كُفُّوا عن الانحدارِ نحو الجحيم، وامتَنِعوا عن الموتِ الرُّوحيّ، أَكُفَّ أنا عن البُكاءِ والنَّوح. ولكن، عندما أراكُم تهلكون كيف لا أحزن، أنا أباكُم الرّوحيّ الّذي يُحِبُّكم؟! أما سمعتُم قَولَ بولس: “يا أولادي الّذين أتمخَّضُ بكم أيضًا إلى أن يتصوّر المسيحُ فيكم”.
إِنَّني أُعاني لأنَّكم لا تتقدّمونَ روحيًّا. أُعاني لأنَّ حياتكم مليئةٌ كَذِبًا وَوِشاياتٍ ونزاعاتٍ وكراهيةً وَظُلمًا وَسَرقاتٍ وبَغاءً وأعمالاً مُشينةً وقَتلاً. أُعاني لأنَّ مَن لا يقترفُ مثلَ هذه الخطايا منكم يقعُ يوميًّا في إدانةِ الآخَرينَ والنّميمة.
يا ليتَ كُلَّ ما أقولُه يكونُ كذبًا. إنّي لأُفضّلُ أن يُعلَنَ في يومِ الدّينونةِ أنّني افترَيتُ عليكم على أن تُحاكَمُوا أنتم على أعمالِكم الشرّيرة. لذلك أدعوكُم وأرجو منكم أن تتوبوا وتجاهدوا من أجل خلاصكم. لِيَكُن لديكم محبّة وصلاح، لِتُسامحوا كلَّ الذين يسبّبون لكم الأذى أو يُسيئون إليكم بالكلام، وتساعدوا من هم بحاجة. كونوا متواضعين. تطهّروا دائمًا من أدران الخطيئة بالاعتراف. هكذا ستخلّصون نفوسكم وستربحون ملكوت السّموات بنعمة الرّبّ.