لست اذكر اذا قلت إن من يكتب يكتب لنفسه والآخرين معا. لنفسه لأنه تمخض ويحتاج إلى ان يحرر نفسه مما فيه. للآخرين لانه يحبهم، لأن كيانه قائم أيضًا بكيانهم أو من كيانهم. نحن المؤمنين لا نعتقد بالفردية بل بالمشاركة. هذا هو سر الشخص انه يتكون برؤيته الآخرين. من رأى إلى نفسه فقط يعشق نفسه نرجسيا وفي الاسطورة اليونانية ان نرجس رأى نفسه في الماء كأن الماء مرآة فمات من هذه الرؤية. الكاتب الحق لا يكتب من استلذاذ ولكن من فرح والفرح فرح بالآخرين لأنه هو وحده الضمانة انك خرجت من نفسك.
.
أنت اذا فرحت فقط بنفسك (وهذا مستحيل) تفتخر داخليا، لا تبدع. الفرح نتيجة لقاء وهذا خروج من النفس. أنت، كاتبًا، تكتب ليقرأك الآخر اذ تحس بأن كلاً منكما يتحقق بالآخر. أنت موجود لأنك تحب. الآخر هو البرهان الوحيد عن ذاتيتك. الإله الواحد الأحد الدائر على نفسه، الرائي نفسه غير موجود. الله يعرف نفسه موجودا لكونه يحب. لذلك لا يكتب احد لنفسه. يكتب ليقرأه آخر، ليفهم نفسه بهذه القراءة. يكتب للفرح. الذين وضعوا مذكرات وينشرونها دلوا على انهم غير منغلقين في ما كتبوا. الكاتب يخاطب. من لا يخاطب لا يكتب. من يكتب عن نفسه في حالة حوار كمن لا يقول انه يكتب عن نفسه. الذي يكتب ما ظاهره موضوعي يكتب عن نفسه أيضا أو من نفسه. من يكتب يحب. حتى اذا ظننت انك تخاطب آخرين تبقى غير منفصل عن خطابك في ما تعطيه.
لا يكتب مبدعاً الا من نسي نفسه أو تغاضى عن عشقها. لذلك كان لمن يقرأ. من هذه الزاوية صح القول ان من تعده قارئا يكتب معك. في العمق الكاتب والمكتوب له وجدان واحد ويضع السطور من استطاع. في مرحلة من الوجدان لا تفرق بين ما تكتب ومن تكتب له. على مستوى الوجدان الكاتب والمكتوب له واحد ويمكن ان يصبحا واحدا في الحب. الكاتب لا يختلف عمن يقرأه الا من حيث ان الكاتب كان أداة للإلهام والقارئ كان منفعلا بالاداة، قابلها. في الجوهر هما واحد واتفق ان واحدا يكتب وآخر يقرأ. الكاتب ليس أهم منك قارئا. تلقى الالهام قبلك ثم اشتركتما فيه.
أنت، منشئاً، استلمت في البدء ولكنك واحد مع الذي استلم بعدك. الأصل جاء ممن أعطى. والنعمة كل شيء. من نسميهم مبدعين يقولونها. الأصل في المبدع.
ليس المبدع بالضرورة من قال شيئاً جديداً. في الحقيقة ليس لأحد منا شيء جديد الا بالصياغة، بالتعبير أو الشكل. كل المضمون قيل منذ افلاطون. المهم ان تكون واحدا مع الحقيقة ومع أهل الحقيقة. الحقيقة لا تاريخ لها. المعنى انها لا تتغير بتغير الأزمان. تختار لنفسها عبارات فترة بعد فترة لكن جوهرها هو هو. المبتغى ان تكون أنت مع الحقيقة الدائمة كائنة ما كانت الصيغ التي تستخدمها.
ليس مبتغى القول ان تكون فريدا في قوله. لا يبتغى الا الحقيقة وهذه تُلبسها الثوب الذي تريد. المهم الجسد لا الثوب.
لا تكن صريع الاشكال أي كيف تقال الاشياء. همّك ان تكون في الحقيقة وهي تدلك على الثوب الذي يليق بها.