“بنانا الذين يحبوننا” (فرنسوا مورياك)
الذين يلتقون يلتقون بالمحبة التي أعطوها أو تلك التي تلقوها. ما طال عمري فهمت أن الذي قيل في المحبة هو الثابت. هناك أقوال حفرت على صخرة قلوبنا وهي الباقية إلى الأبد.
كان المؤمنون في أفسس (آسيا الصغرى) يقولون ليوحنا الإنجيلي الذي كان أسقفهم: “لماذا تردد علينا عبارة أحبوا بعضكم بعضًا” وكان يجيب: “لم أتعلم شيئًا آخر لما كنت أضع رأسي على صدر المعلم”. تعليم على هذا العمق عليك أن تردده بلا تفسير لأنه يدخل القلوب. واللافت أن المسيحية تدعوك إلى أن تحب وما قالت لك أن يحبك الآخرون. ربما افترض الأوائل أنك إن أحببت يرد اليك هذا. أنت تبقى على المحبة تعطيها بمجانية كاملة.
إنك لا ترجو لنفسك شيئًا من المحبة. وإن كنت من الكاملين لا تتوقع من الفضيلة مكافأة على الأرض ولا في السماء. أنت تصنع الخير بالمحبة التي فيك وهي كمال بنفسها. ما وعد المسيح بشيء من الدنيا الذين يحبون إذ يعلمون أن لا شيء يزاد إلى المسيح.
أنت تحب لأن الله ساكن فيك. هو يخرج من قلبك إلى قلوب الآخرين فتحيا بهذا ويحيون. لا ينزل ربك من سماء. يخرج إلى الناس من قلبك لأن قلبك عرشه. اشتر نفسك مما تعطيه وابق فقيرًا لأنك إن استغنيت تستلذ نفسك وترفض رضاء الله. يبدأ خلاصك باعتبار نفسك لا شيء واعتبار ربك غناك. في الحياة الروحية الزهد باللذات شرط الطعام الروحي. لا تشته شيئًا حتى يشتهيك الله. حسبك الله لأنه لا يزاد عليه شيء إذ لا يقاس به شيء. إذا فهمت انه يكفيك تشبع منه إلى الأبد ولا يسعك أن تشتهي شيئا آخر. إذا حل الله فيك تكون السماء نزلت على دنياك وصارت لك كل شيء.
الله لا يصعد اليه. هو فيك او ليس فيك. ليس هو في مدى. وإذا حل فيك لا يبقى لك مكان خاص لك. أنت في الطاعة تفهم أن ربك يعلوك وفي الحب تفهم أنه اليك ويصير فيك ان أدركت العشق إذ ذاك لك أن تقول “أنا من أهوى ومن أهوى أنا”. اتحادك بربك في الحب يجعلك تدرك ذلك. ليس بعد هذا شيء.