إن أردت أنْ تكون كاملاً

mjoa Thursday November 21, 2013 132

لا شك ان هذا الإنجيل صعب جدا. السيد يقول عن الأغنياء ان دخولهم الى ملكوت السموات عسير، بل انه يعسره الى حد انه يقول: “ان دخول الجمل ثقب الابرة لأسهل من دخول غني ملكوت الله”.

 بالطبع حاول المفسرون المتساهلون ان يهينوا الأمور على الناس وان يقولوا ان “ثقب الابرة” ليس بالفعل  ثقب الإبرة، ولكن المقصود باب في اورشليم، وبالتالي ان الجمل كان يستطيع ان ينحني وان يدخل الباب المدعو “ثقب الابرة”، الى ما هنالك من تأويلات عاطفية ارادها الأغنياء لأنفسهم ليسهلوا الأمور على سواهم.

ولكن هذا لم يكن المقصود من النص الالهي لأن كل سياق البحث وكل الحديث الذي جرى كان يعني ان دخول الغني الى الملكوت امر صعب للغاية، وانه لا يستطاع عند الناس. ومع ذلك استثنى السيد بقوله: “ان ما كان غير مستطاع لدى الناس مستطاع لدى الله”. فكيف تكون اعجوبة الله وكيف يدخل غني ملكوت السموات؟ لم يقل الكتاب انه يدخل ويبقى غنيا. ولكن ذاك الذي كان غنيا يستطيع الله بجهد منه ان يُدخله باب الملكوت. وماذا يبقى من غنى الغني؟ أيبقى هذا الغنى واسعا، كبيرا، ضخما ولا يتغير شيء في سلوك هذا الانسان، ومع ذلك يقحمه الله في ثقب الابرة؟ هذا طبعا لم يقله الكتاب، ولذا يجب ان نفتش عن طريقة اخرى.

لا يبدو ان الكتاب، والله المتكلم فيه، لا يبدو ان الكتاب اعطى للأغنياء وسادات حريرية ينامون عليها. لم يكن المسيح حريريا. انه كان لطيفا وكان حازما وشديدا بآن، وكانت تعابيره دقيقة للغاية.

ماذا كان في حديث الشاب والمعلم؟ شاب كامل في الظاهر، تمم الوصايا جميعها من دون ان يفتخر. قال فقط: انا أطبّق هذه الوصايا منذ صباي، ماذا ينقصني بعد؟ جاء ليتعلم، جاء ليصنع احسن من الوصايا. وقال له يسوع: “ان اردت ان تكون كاملا، فبع كل ما لك وأعطه للمساكين وتعال اتبعني”.

وهنا ايضا جاء المفسرون المرتزقة الذين يعتاشون من وجهاء الارض وقالوا: لماذا تريد ان تكون كاملا؟ ليس من الضروري ان يكون كل انسان كاملا. فنحن يكفينا ان نصنع الوصايا، وهذا الكمال انما هو للرهبان وليس لنا. لا. يسوع لم يتكلم عن الأديرة ولا عن الاسقفيات ولا عن شيء من ذلك. قال لهذا الشاب الغني الذي امامه: “تستطيع ان تكون كاملا”. لم يقل له: “اترك وضعك لتذهب الى وضع آخر، لتعيش في مكان آخر”. قال له: انت تعيش في هذه الدنيا، هذه التي تريدها. هنا يمكن ان تكون كاملا. لم يوصِ يسوع بالكمال بل أمر به. فقد قال: “كونوا كاملين كما ان أباكم السماوي كامل”.

إن اردت ان تكون كاملا فاتبعني. ان اردت ان تنتقل من العهد القديم الى العهد الجديد الذي هو عهد كمال، فبذر اموالك. أليس مكتوبا عند داود النبي: بدد، أعطى المساكين فيكون ذكره مؤبدا (مزمور111: 3). العهد القديم نفسه يشير الى تبديد الاموال، الى عطاء كامل.

أنت لست بما لك. انت وكيل. أُعطيت ما أُعطيت فاستلمه الى ان أجيء. الله فوضك بأمور الدنيا وانت تستلمها كوكيل امين لمصلحة الله، لمصلحة الذي سلمك اياها.

وكيف تحافظ على اموال الله؟ لمصلحة من ترعى؟ المهم ان يكون المال بين يديك وديعة وليس ملكية مطلقة قدسية. القدسية للانسان فقط. انت وكيل وعليك ان تجعل المحرومين اسيادا عليك. اي يجب ان تشعر بالجوع الذي يشعرون هم به. القضية كلها قضية محبة: تعطي وتشعر مع الآخر. تخرج اليه في جوعه وعريه وحرمانه. هذا يعني معاناة شخصية وانسلاخا عن الذات. العطاء الحق هو بالدرجة الاولى ألم الانسلاخ عن الذات والالتصاق بالمسيح الذي في كل انسان. بهذا نعترف بالحقيقة ان ابن الله كان انسانا وانه في الانسان المحروم سيد علينا.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share