الخطيئة انعدام الحسّ

mjoa Wednesday December 4, 2013 118

الخطيئة، وفق تعريف القديس إسحق السوري (القرن السابع الميلادي)، هي “انعدام الحسّ”. أما القداسة، وفق التراث المسيحي، فهي إقرار الإنسان بخطيئته والسعي الجادّ في طريق التوبة عنها. في كل حال، الناس كافة، وبدون استثناء، خطأة، وتعوزهم نعمة الله. غير أن كيفية تعامل الإنسان مع خطيئته هي التي تحدّد مساره نحو القداسة أو نحو المزيد من الانغماس في الخطيئة.

بدء الخطيئة هو حين يجعل المرء الإنسان الآخر مجرّد شيء قابل للمتعة أو للاستهلاك أو للاستعباد أو للقتل… أما ذروة الخطيئة، وبلا شك، فهي عدم الإحساس بأن الإنسان الآخر هو إنسان يملك روحاً وقلباً وعقلاً، وبأن لديه مشاعر وعواطف، بل التعامل معه كأنه شيء أو مجرّد جسد من لحم فحسب. ذروة الخطيئة هي قتل “الإنسان” في الإنسان، وجعله شيئاً نتوسّل فيه إشباع رغباتنا وشهواتنا.

الإنسان الذي يقتل “الإنسان” في الإنسان الآخر يكون قاتلاً نفسه أيضاً. يفقد حريته بحريته، يلغي إرادته بإرادته، يهمل قلبه وعقله، يتّبع غريزته وتقوده شهوته… لكن مَن يقتل “الإنسان” في الإنسان الآخر يكون قاتلاً الله أيضاً، الله الذي شاء أن يكون الإنسان إنساناً لا حيواناً، ولا نباتاً، ولا جماداً، ولا أداة للخطيئة.

أن ينعدم إحساس الإنسان، أو إدراكه، بأنه ارتكب الخطيئة لأشدّ سوءاً من الخطيئة المرتكبة. وتتفاقم المشكلة حين لا يحسّ الخاطئ بالضحايا التي سبّبتها خطيئته وبآلامها ومعاناتها. صحيح أن الخاطئ يكون ضحية نفسه أحياناً، لكن في معظم الأحيان يكون هو الجلاد، وسواه الضحية.
ليس أحد معصوماً عن الخطيئة. فالتجربة تلاحق الإنسان طالما هو يسعى على وجه البسيطة. وتخبرنا سير القدّيسين أن التجارب تشتدّ على مَن قطعوا شوطاً كبيراً في الجهاد الروحي للقضاء على الخطيئة أكثر ممّا يتعرّض لها الساقطون أصلاً بالخطيئة. ولنا في سيرة القديس أنطونيوس الكبير خير مثال على ذلك، إذ استطاع أن يتغلّب على إغواءات الشيطان والنجاة من حبائله بفضل ثباته واتّكاله على نعمة الله.

بيد أن القديس يوحنا السلّمي السينائي (القرن الثامن الميلادي) قد وضع كتاباً عن الجهاد الروحي، عنوانه “السلّم إلى الله”، أو “سلّم الفضائل”، يتحدّث فيه عن سلّم مؤلّف من ثلاثين درجة تمثّل كل واحدة منها فضيلة من الفضائل، على الساعين إلى الكمال أن يرتقوها واحدة فواحدة للوصول إلى الله.

ويؤكد السلّمي احتمال أن يسقط الإنسان حتى وإن بلغ أعلى السلّم. فطالما هو على قيد الحياة، يبقى إمكان سقوطه وارداً.

التجارب حاضرة في الحياة اليومية لكل منا، وكل إنسان معرّض للسقوط فيها. لكن ذوي السلطة: الدينية أو السياسية أو المالية أو الروحية… وقد ميّزنا قصداً السلطة الروحية عن السلطة الدينية… مسؤوليتهم أكبر لأنهم يستغلّون مواقعهم وسلطتهم في غير مكانها، ولأن خطاياهم وأخطاءهم ضحاياها أكثر، وتسيء إلى المقامات التي يمثّلونها أو يشرفون عليها ويديرونها. خطيئتهم أكبر لأنها تدكّ الهيكل على مَن فيه. والأدهى حين يُطلب من الضحية أن تصمت لمصلحة ما، أو لإنقاذ صاحب السلطة المرتكب. أن نحسّ… هذا هو المرتجى.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share