قداديس:
منذ مدّة، سلّمني أخٌ دعوةً إلى أن أشارك في برنامج احتفالات بعيد شفيع كنيسة رعيّتهم. تصفّحت الدعوة بسرعة. ثمّ سألته: “هل يجوز أن تُجمع لفظة “قدّاس”، أي أن يُقال قداديس، مثلاً؟”. نظر إليَّ باستغراب. فاجأه السؤال! صمت قليلاً، ثمّ أجابني بصوت واثق: “لا!”. أعقبت لاءهبقولي: “هذا خطأ شائع. المسيحيّون كلّهم يعتقدون أنّ أيّ خدمة إلهيّة، نقيمها، هي تذكار للخدمة الواحدة التي رسمها الربّ في علّيّة صهيون. لكنّنا عن غير قصد، نستعمل هذه اللفظة (قداديس) التي باتت لها شهرتها”!
اليوم، قرأت، في منشور كنسيّ، مقالاً استعمل واضعه فيه اللفظة عينها في صيغة الجمع أيضًا. لا أعرف مَن الذي علّمه أنّ لفظة “قدّاس” يمكن أن تُجمع. ربّما قرأها في برنامج احتفالات آخر!
“المهمّ أن أقدّس”:
رأيتها تخرج من “كنيسة شقيقة” بعد انتهاء الخدمة الإلهيّة فيها. سلّمت عليها من بعيد بإحناء رأسي، وردّت على سلامي بمثله. ثمّ، بعد نحو أسبوعين، التقينا في منزل ذويها. وجدتها تدافع عن نفسها كما لو أنّ ثمّة مَن وبّخها علنًا على أمر معلوم! قالت: “المهمّ أن أقدّس”. رددت عليها: “لا، ليس المهمّ أن نقدّس إن كان المقصود أن ندخل أيّ كنيسة تقيم الخدمة، وإن كان لا يجمعنا بها إيمان واحد. الخدمة الإلهيّة هي شركة. وهذه لها أبعادها. أوّل بُعد هو الإيمان الواحد. وليس آخرها أن نعي أنّنا نشكّل، معًا، رعيّةً مع القدّيسين وأهل بيت الله”. هزّت رأسها كما لو أنّها وافقتني، ثمّ سألت: “ألا يمكنك أن تؤخّر إقامة القدّاس إلى ما بعد ظهر يوم الأحد؟”. أجبتها: “الوقت، الذي يقام فيه قدّاس يوم الأحد، يناسب معظم الإخوة في الرعيّة. لا يمكننا أن نقيم الخدمة الواحدة في أوقات تناسب كلّ مؤمن وحده، بل بما يُظهرنا عائلة الله. هذه أمّك، اسأليها إن كانت تقبل أن تقيم غداءً لكِ، وآخر لشقيقتك، وثالث لها ولوالدك. أليس الغداء الواحد إشارةً إلى أنّكم عائلة واحدة؟ نحن عائلة الله. هذا ما تظهره الخدمة الواحدة، وتجعلنا عليه”.
حتّى نوقف خسارتنا:
سمعته يقول إنّ هدف الخدمة الإلهيّة أن نتناول جسد الربّ ودمه. دخلت على كلامه بقولي “إنّ ما تقوله صحيح إن كان يتضمّن أنّ كلّ ما في الخدمة هو هدف، أو يكوّن الهدف”. قَبِلَ كلمتي بتواضع عهدتُه عليه. وأعطاني قبوله أن أتابع: “على مدى التزامي، سمعت إخوةً كثيرين، متى سألوا عن موعد الخدمة، إن أجبتهم: “يبدأ القدّاس في الساعة التاسعة والنصف”، يسألونك ثانيةً: “ومتى يُقرأ الإنجيل؟”. ونرى، في كلّ خدمة، إخوةً يأتون متأخّرين، أو يخرجون قَبْلَ نهايتها. كلّ ما في الخدمة، هو الخدمة. هذا وعيُهُ يَفرض علينا أن نكون جدّيّين في مشاركتنا في خدمة لا تحتمل تهاونًا في اعتبارها كلّها واحدة. أعتقد أنّ تهاوننا بقبول الخدمة أنّها واحدة قد يجعلنا نخسرها كلّها. ألم يُخسرنا تهاونُنا صلواتٍ جماعيّةً أخرى؟”.
“لا أستحقّ”:
سألته: “لِمَ لم تتناول (جسد الربّ ودمه)؟”. أجابني: “لا أستحقّ”. قلتُ له: “هل تقصد أنّه كان عليك أن تعترف قَبْلاً؟”. أجابني أيضًا: “لو كنت قد اعترفت، فمن الممكن أن يكون وضعي أفضل”. كنت أعرف أنّ له أبًا روحيًّا، فسألته: “لِمَ لم تقصد أباك (الروحيّ)؟”. أجابني: “ظروف أخّرتني”. قلت له: “اعذرني، لا أقصد أن أفرض عليك قناعتي. لكن، كان عليك أن تُخبر أباك، قَبْلَ أوان الخدمة، عمّا يزعجك فيك. فهذه خدمة لا تحتمل أن نعتقد أنّنا، إن لم نكمّلها اليوم، فسنفعل في أيّ آخر (تقام الخدمة فيه). الخدمة الإلهيّة، في تراثنا، أي هذه الخدمة التي “وُضعت أمامنا”، هي واحدة لا تتكرّر. أعتقد أنّك تعلم أنّ الخدمة الإلهيّة، التي نُجريها في الأرض، تستدعي، هي هي، إشهار موقفنا الأخير من الله. نحن، بقبولنا إيّاها، نقول إنّنا نرجو أن نكون مع الله دائمًا، ولا سيّما أن يَقبلنا في يومه الأخير الذي رأى تراثنا أنّه مائدة. ونحن، برفضنا إيّاها (أي بعدم مشاركتنا الكاملة فيها)، نقول إنّنا لا نريد من الله شيئًا لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة. من عمق المسيحيّة أنّها تمدّ أمامنا أبد الله “الآن وهنا”، وتحضّنا على أن نحيا بوضوحه!
“أنا لستُ قدّيسًا”:
هذا ما قاله أحد الإخوة ردًّا على دعوةٍ حضّته على اتّباع الفضيلة. الناس لمّا يفهموا كلّهم أنّنا “مقدّسون في المسيح يسوع”. يعتقدون، أو معظمهم، أنّ القدّيسين هم أشخاص اختارهم الله من دون سواهم. كيف يفهمون، ملتزمين، قول الخدمة الإلهيّة: “القدسات للقدّيسين”؟ كيف يقرأون إرث الرسول بولس فيما يصف بالقدّيسين أعضاء الكنائس التي كَتب لها؟ هل لم يتعلّموا أنّ كلّ معمّد هو، واقعيًّا، مفروز لله (وهذا معنى مقدَّس)؟ أعلم أنّنا، كنسيًّا، مقصّرون، عمومًا، في توزيع المعاني القويمة على الناس. ولكنّ ما لا يبرّر هو تقصير الناس أنفسهم في البحث عن الحقّ. كيف تُبتغى القداسة إن لم تُبتغَ المعرفة؟ المعرفة القويمة والحياة بموجبها هما ردُّنا أنّ دعوة الله إيّانا إلى القداسة هي مقبولة، مقبولة.
هذه ردود عجلة على بعض أخطاء شاعت في أوساطنا.