إنجيل اليوم يُحدّثنا عن شفاء قام به السيد يوم السبت. وقضيةُ حِفظ السبت لعبت دورًا هاما جدا في حياة السيد. فمؤامرة اليهود لقتله ابتدأت عندما شفى يسوع الرجُل ذا اليد اليابسة يوم السبت (إنجيل متى 12: 10-13).
منذ ذلك الحين، يقول لنا الإنجيل، تشاوروا ليقتلوه لأنهم اعتبروا انه ليس فقط يخالف الشريعة كما شرحوها هم، ولكنه ينسف الكيان السياسي اليهودي. اذا أردنا ان نفتش عن السبب الحقيقي لمقتل يسوع في أذهان اليهود ورؤسائهم، لوجدنا أن السبب هو أن يسوع أراد ان يمدّ حدود شعب الله الى خارج اسرائيل، أن يُدخل الأمم في العهد القائم بين الله والناس، أن يُمتّع البشر جميعًا بحلاوة الله وبركات الله، وبالنتيجة أن يكسر هذه القوقعة التي كان اليهود مُرتمين فيها، وأن يضرب هذا الشعور بالتفوّق الذي كان لهم.
السبت كان رمزًا لهذا الانغلاق اليهودي، للعصبية اليهودية. ولهذا وقف اليهود ضد السيد هذا الموقف الصلب بسبب ما ظنّوه تجاوزًا للشريعة. جاء السيد وأراد أن يتخطى الشعبُ هذا العناد الذي كانوا فيه. أراد أن يُبيّن لهم أن السبت جُعل للإنسان وأن كل قانون وُضع لخدمة الإنسان. لم يُخلق الانسان للقانون. الشريعة مُسخَّرة في سبيل الانسان، في سبيل نموّه ومعرفته للرب. ولهذا أتى يسوع بشيء جديد في تاريخ البشرية وهو أنّه علّمنا ان الإنسان ومصالحه وقلبه وروحه أفضل من كل قانون، واننا قد نتجاوز القانون في سبيل هذا الانسان.
المهم أن تكون علاقتنا مع الله علاقة الروح مع الروح، علاقة القلب الانساني مع القلب الإلهي، لا علاقة عبيد خاضعين لقانون خارجي، ولا علاقة أطفال صغار بأبٍ متعسّف صارم بل علاقة الندّ بالندّ. المهم ان نُحوّل الوصية من شريعة مفروضة الى شريعة محبوبة. المهم أن نحبّ الوصية.
لا تسرق، لا تزنِ، أكرم أباك وأُمك… هذه تبتدئ كوصايا خارجيّة يتعلّمها الانسان تعلّمًا ويشعر أحيانًا أنها كابوس عليه لأنه يحسب اللهَ بعيدًا وخارجًا عنه وضاربًا إياه. أما المؤمن، فإذا عرف الله أبًا له وأدرك نفسه ابنًا لله، صار يُدرك ان هذه الوصية ليست كابوسًا يُفرض وليست كسبت اليهود، ولكنها أمرٌ محبوب وإشارة للخلاص. بهذا ينتقل من ديانة الطفولة، من ديانة الصبيان الصغار، الى ديانة الراشدين.
في المسيح يسوع انتقلنا من الخوف الى الحياة، الى الرجاء، الى الثقة. ولهذا فيما نحن سالكون فترة الميلاد هذه، جدير بنا أن لا نعتبر المسيحية شيئًا خارجًا عنا، مجرّد طقوس وعادات اجتماعية مثل سبت اليهود. لا نرتبكَنّ في إقامة مغارة الميلاد تحت شجرة العيد، بل فلنسعَ ليتحوّل قلبنا الى مغارة تستقبل المسيح. هكذا نجعل إيماننا في القلب رؤية للمسيح، التصاقًا به وحبّا لكي يولد المسيحُ فينا ينبوعَ خير وعطاء ويصبح ربنا كل شيء في حياتنا. هكذا نزداد في محبة يسوع حتى يقول المسيح في نفسه: كل بيت في هذه الأبرشية بيت لي وكأني أُولَد فيه وفي قلوب أبنائه كل يوم.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).