نتذكّرُ القولَ الّذي تفوَّهُ به الملكُ والنّبيُّ العظيمُ داودُ كاتبُ المزامير، حين شَتَمَهُ أحدُ آلِ شاولَ الملك: “… لا تُوقِفْه، ربّما فعلتُ ما أَستحقُّ القصاصَ عليه خلالَ حياتي”.
“الجميع أَخطأوا وأَعوَزَهُم مجدُ الرّبّ”… (رو 3: 23).
إذًا، نحن مَدِينُونَ أَمامَ عَرشِ الدَّيّانِ الّذي نَقِفُ كُلَّ صُبْحٍ وَظُهْرٍ وَمَساءٍ رافِعِينَ نفوسَنا وأَيديَنا طالبين رحمتَه لخلاصنا.
كلّ قلب يسكنه الرّوح القدس، لا بدَّ له من أن يقول: “لقد خطئنا وأَثمنا ولسنا بأَهل لأن نرفع أَعيننا وننظر علوّ السّماء، لأَنّنا تركنا طريق عدلك وسلكنا في أهواء قلوبنا” (دا 3: 29 – 30). ونادى الرّسول المصطفى بولس: “الرّبّ يسوع أَتى ليخلِّص الخطأة الّذين أَنا أوّلهم!!” (1 تيمو 1: 15).
فإن كان الرّسول بولس يُقرّ بخطيئته، بهذه البساطة والمعرفة اليقينيّة، فَحَرِيٌّ بِكُلِّ واحدٍ مِنّا أن يُسارِعَ إلى الاعترافِ بخطاياه.
والحقيقةُ أنَّ ما يَمنَعُنا مِنَ التَّقَدُّمِ إلى سِرِّ الاعتراف هو عبادتُنا لِسَيِّدٍ غير الرّبّ يسوع، أَلا وَهُوَ “الكَذِب”. وما الكَذِبُ إلّا صِفَةُ “الشّيطان”، إذ أَسماه يسوع في إنجيله “الكذّاب وأبا الكذّاب” (يو 8: 44)…
لماذا نخاف مِن كَشفِ مستوراتِ ومكنوناتِ قلوبِنا في هذا العمر، ولا نرعب من أَن نُدانَ أمام العرش الإلهيّ.
“يا بنيَّ أَعطني قلبك”… قال ويقول لنا يسوعُ كلَّ يوم نفتحُ أَعينَنا فيه على نهارٍ جديد، ونقفلُها إلى ليلٍ مِنهُ ولَهُ.
الرّبّ يسوع في قولتِه هذه يرجونا أَن نقدِّمَ له ما خَلقَهُ هو لنا فينا لِيُصيِّرَهُ عرشًا له.
“أَنا واقف أَمام الباب وأَقرع” (رؤ 3: 20).
أَلا نسمع صوته الّذي قال لنا فيه: “إن سمعتُمُ اليومَ صَوتَهُ، فلا تُقَسُّوا قلوبَكُم” (عب 3: 15).
هذه هي وحدَها المعرفةُ الحقُّ للإله الحيّ. أن لا نُقَسِّيَ قُلوبَنا.
ما همَّ إذا قال كلُّ النّاس فينا حسنًا وبقي سيّدُنا مظلومًا فينا بالكَذِبِ والخطيئة، وبقي واقفًا يستعطي رجعتنا إليه ليخلِّصنا.
… فقيرًا أَتى العالم… مرذولاً ومطروحًا في مذود ومغارة خارج المدينة، تحتفّ به الحيواناتُ العُجمُ الّتي عرفَتْ أنّ هذا هو الطّفل الإلهيّ. ونحن ما زلنا نُخفي ونحتالُ ونكذبُ ونتظاهرُ بأنّنا لا نعرف هذا الغريب. أَلا نخاف نهر النّار؟!… أَلا نخاف القصاص الإلهيّ إذا أَكملنا حياتَنا في غِيِّنا؟!…
كلُّنا خَطأة، والله يترفَّقُ بالخاطئينَ التّائبين.
ترَفَّقُوا بالخطأة، قال القدّيس أَمبروسيوس. لِنَتُبْ ونَفْرَحْ بِعَودَتِنا، لأَنّه ينتظرُنا ليُلبِسَنا حُلّةَ العُرس، ونحن مُرتّلون له: “إن كنتَ للآثام راصدًا يا ربّ، يا ربّ مَن يثبت! لأنّ من عندك هو الاغتفار”.
فاغفِرْ لنا يا ربّ، اغفر لنا وارحَمنا، وَرُدَّنا إليكَ قبلَ أن نُرَدَّ إلى التّرابِ، يا سيِّدَنا وإلهَنا… آمين.