القدّيسُونَ جميعاً أُرسِلوا إلى حصادِ كَرْمِ اللهِ المغروسِ بِيَدِهِ نفسِها. “فَمِنهُم مَن قُتِلَ بِـحَدِّ السَّيف، ومنهم مَن عُذِّب… طافُوا في البَراري والجِبالِ ومَغاورِ الأرض، مشهوداً لَـهم بالإيمان. وكذلك فَعَلَ حَرَسَةُ الكَرْمِ بِابنِ صاحبِ الكَرْم، فأَخذُوه إلى خارجِ الكَرْمِ وقَتَلُوه. بالطَّبعِ هذا الـمَثَلُ يُشيرُ مباشرةً إلى العهدِ القديم، إلى إسرائيلَ الّذي قَتَلَ أنبياءَه، وأخيراً قتلَ ابنَ الله نفسَه.
ولكنَّ الحكايةَ تُشيرُ أيضًا إلى أبناء العهد الجديد، إسرائيل الجديد، شعبِ الله الـمُختارِ لِيَكُونَ أميناً على كَرْمِ الله، أَيْ وَصاياهُ وَكَنيستِهِ الـمُقَدَّسة، مُعطِياً اِيّاهُ قُوّةً عظيمة. دَعُونا نَلتفتُ إلى قَولِ الكتابِ أنّ الرّبّ أحاطَ كَرْمَهُ، أي أحاطَهُ بِـحائط. فالله الكُلِّيُّ الحكمة، عالماً بالمثل الذي سيقوله المسيح، حَذَّرَ قائلاً: “مَن ينقض جداراً تلدغُهُ حيّة” (الجامعة 10: 8).
وفي الوقت نفسه، أمام أعيننا نرى كلّ جهدٍ ممكنٍ لتدمير هذا الحائط حول كرم الرّبّ الملقى على عاتقنا والذي يُـحيط كنيسة المسيح للأسف.
مسؤوليّتُنا ليست فقط حراسةَ حائطِ الكَرْم، ولكنْ أن نأتيَ بِثَمَرٍ جَيّد، نُقدِّمه لِلعزّةِ الإلـهيّة، كَثَمَرِ هابيل.
يقول الآباء القدّيسون، ومن بينهم القدّيسُ باسيليوس الكبير، إنّ الثّمارَ الرّوحيّةَ هذه الّتي يَـجب أن نقدّمَها لله هي حُبُّنا للمسيح، والإخلاص له، من خلال تطبيق تعاليمِه، بأن يكون قدوةً لنا في حياتنا، واستشهادِنا إن لزم الأمر. هذا أقلُّ ما يتوقّعُه الله منّا. قد يعطينا الله فرصةً لِلقيامِ بأعمالٍ صالحة، وربّـما لا.
ولكن أعطانا فرصة أن نُـحبّه وأن نَبذُلَ الجهدَ في الوفاءِ لِكَلامِهِ وتعاليمِه في الإنجيل المقدّس، في أيّ وقت؛ لأنّ هذا كلَّه نُقدِّمُهُ مِن دَاخِلِنا، وهذا ما ينتظرُه الرّبّ، إذا أرَدْنا أن نَـمتلكَ هذه الذّهنيّةَ الرّوحيّة، حِينَها الأعمالُ الحسنةُ تتدفّقُ مِنّا، بِـحُرِّيَّة، طبيعيًّا، مباشرةً وليس بطريقة مُصطنعة.
يا إخوة، دعونا نعمل بالروح لنقدّم لإلـهِنا الـمُحِبِّ البَشَرَ ما يتوقّعُه مِنّا، ثِـماراً تُضاهي ما قدّمَهُ الـمجوسُ مِن كُنوزِ العالَـم، لأنّـها ثِـمارٌ مِن كَرْمِهِ الـمَغروسِ بِيَدِه. آمين.