كوستي بندلي… القلب والعقل معاً

mjoa Wednesday December 18, 2013 106

رحل كوستي بندلي. رحل اللاهوتي الذي لم يحز شهادة في اللاهوت الا انه تفوّق على الكثيرين ممّن حازوا درجات عليا في اللاهوت الأكاديمي. وإذا كانت سائدة في التراث الأثوذكسي مقولة “اللاهوتي الحق هو الذي يصلي”، فيسعنا أن نقول، آخذين كوستي بندلي عبرة، “اللاهوتي الحق هو مَن يحيا الإنجيل، بما فيه الصلاة، مقتدياً بالمسيح يسوع في كل شيء”.

كوستي بندلي جمع القلب والعقل معاً، جاعلاً التناغم بينهما قاعدة لممارسة الإيمان. لم يجعل تضاداً ما بين “الحياة الروحية” وشؤون هذه الدنيا. أدرك أن المسيح بطبيعتين إلهية وإنسانية، فكرّس لكل منهما ما تقتضيه من واجبات والتزامات. لم يسقط في تجربة إيلاء الحياة الروحيّة الأهمية على حساب إهمال الواقع الإنساني، ولا في تجربة إيلاء الخدمة الاجتماعية الأهمية على حساب إهمال الحياة الروحية. أرانا بندلي، في حياته، أن الأمرين صنوان متلازمان، إذا سقط أحدهما سقط الآخر حتماً.

ثمة، في الممارسة، بدعتان لدى المسيحيين استطاع بندلي أن يقهرهما. البدعة الأولى هي الاهتمام بما هو لله فقط، أما الثانية فهي الاهتمام بما هو للإنسان فقط. وهاتان البدعتان هما من آثار البدعتين اللتين حاربتهما الكنيسة في القرن الخامس الميلادي، بدعة النسطوريّة التي أنكرت الطبيعة الإلهيّة للمسيح، وبدعة الطبيعة الواحدة التي أنكرت الطبيعة الإنسانية في المسيح. المسيح إله تام وإنسان تام، وهذا يعني أن التجسد الإلهي يفرض على المسيحي أن يهتمّ بأخيه الإنسان، لا أن يكتفي بالصلاة والصوم والعبادات وحسب.

قضيّة بندلي التي بذل حياته في سبيلها هي قضية الإنسان الذي أحبّه الله، الإنسان المعذَّب في الأرض، فكان مثال المثقّف المسيحي الملتزم شؤون الأرض والناس. وكانت العدالة شغله الشاغل، فوضع كتاباً مرجعاً عنوانه “نضال عنفي أو لاعنفي؟ لإحقاق العدالة”، لم يكتفِ فيه بالاستناد إلى الفكر المسيحي، بل عاد إلى المهاتما غاندي متبنياً تعاليمه في هذا الشأن. وتبنّى قضايا الشعوب المقهورة في فلسطين وأميركا اللاتينية، وسواها من البلدان التي شهدت ثورات ضد الاحتلال وضد الظلم الاجتماعي الذي مارسته الأنظمة الديكتاتورية. وفي هذا السياق أبغض الطائفية التي اعتبرها نوعاً من أنواع التمييز العنصري.

وكان كوستي بندلي رائدًا في استخدام العلوم الإنسانية، وفي مقدّمها علم النفس الذي اختص به، في سبيل تربية مسيحية حق تحارب التقوقع والانغلاق والخوف من العالم، تربية منفتحة على العصر تأخذ في الاعتبار محورية الإنسان في الكون، وعمادها الحرية والمعرفة، “تعرفون الحقّ، والحقّ يحرّركم”. كما تناول موضوع الجنس، وبخاصة في كتابه “الجنس ومعناه الإنساني” من منظور مسيحي ومن منظور علم النفس في الوقت عينه، دعا فيه إلى تربية جنسية سليمة تقضي على الجهل السائد والأفكار الخاطئة التي تحيط بهذا الموضوع.

كوستي بندلي، ابن الكنيسة الأنطاكية، ابن حركة الشبيبة الأرثوذكسية، ابن مدينة الميناء (طرابلس)، الإنسان، المعلّم، المربي، الأب، الأخ، المناضل، كان صيّاداً للناس، لبّى دعوة يسوع الذي قال للرسل: “سأجعلكم صيّادي الناس”، فترك كلّ شيء وتبعه… لكن مَن يريد أن يكون صيّاداً للناس عليه، قبل ذلك، أن يرضى بأن يصطاده يسوع، أن يكون سمكة في شباك يسوع. طوبى لك، فقد اصطادك يسوع من مينائك ليجعلك في بحره حيث ماء الحياة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share