رحلة تاريخيّة مقدّسة قمنا بها إلى مصر، إلى صحراء سينا، بمناسبة عيد القدّيسة العظيمة في الشهيدات كاترينا وفق التأريخ الشرقيّ والموافق هذه السنة بامتياز نهار الأحد 8 كانون الأوّل 2013.
عند الوصول أخيراً إلى الدير يصدمك منظر جبال صخريّة حمراء شامخة وكأنّها تختصر تاريخَ قداسة شاهدة لناظريك البشريّتين.
هذا بعد ترحال طويل في السيّارة استغرق أكثر من سبع ساعات من القاهرة حتى منطقة “جنوب سينا”، وأيضًا بعد عبور قناة السويس. لقد اجتزنا في هذه الرحلة حواجز أمنيّةً كثيرة تعكس الجوّ الدقيق التي تمرّ به تلك البلاد العربيّة، وبخاصّة شبه جزيرة سينا. تخيّل تيهانَ الشعب اليهوديّ أربعين سنة ليقطع هذه الصحراء، يقتات بالمنّ والسلوى.
منطقة “طور سينا” تجمع إلى جانب الدير الرئيسيّ أدياراً ومناسك كثيرة. تخيّل عند قدومك إلى الدير (1600م) أنّك أمام جبل عال (2200م)، الجبل الّذي تجلّى عليه الله لموسى بصورةٍ عجيبة، وأعطاه الوصايا العشر الشهيرة.
ولا ننسى زيارتنا لمنسك القدّيس يوحنّا السلّميّ (كاتب سلّم الفضائل)، الذي يبعد حوالى ثلاث ساعات سيراً على الأقدام. هو عبارة عن مغارة محاطة بجبال صخريّةٍ شامخةٍ مع أودية تعطش
إلى المياه النادرة في تلك المنطقة. والواحات قليلة فيها بعض العشب والشجر لقطعان المعز الخاصّة بالسكّان البدو.
* * *
أمّا دير القدّيسة كاترينا التاريخيّ والأثريّ، فيتميّزُ بضخامته واتّساعِه، ومتحفِه الغنيّ الّذي يضمّ أيقونات ومخطوطات لا تثّمن، أشهرها المخطوطة السينائيّة للكتاب المقدّس العائدة إلى القرون الأولى.
الكنيسة الرئيسيّة على شكل Basilique، تتقدّمها كنيسةُ العلّيقة الملتهبة غير المحترقة. عدد الرّهبان 25، يتقدّمهم رئيسٌ أسقفٌ ينتخبه رهبانه. تمتّعنا معهم بأجمل الصلوات الديريّة والنسكيّة خلال فترة العيد.
العَجَبُ الأخيرُ أنّكَ تُعايِنُ عدداً مِنَ البَدْوِ (ينتمون إلى قبيلةٍ معيّنة) يختلطون بالرهبان وبالزوّار. يحافظون على الدّير ويخدمونه. والديرُ بِدَورِهِ يَحميهم ويَقُوتُهم. عيشٌ مشترك عجيب، في كلّ شيءٍ (باستثناء ما يجري داخل الكنيسة)، بين رهبانٍ مسيحيّين وبَدْوٍ مسلمينَ يَعيشونَ على مَقرُبَةٍ من بعضهم البعض بِوِفاقٍ وتنسيق مميَّزَين. وكأنّ الله اختارَهُم هكذا في هذا الموقع المقدّس، لكي يبقى هذا الدير مقاماً أرضيًّا يَشهَدُ طيلة تاريخه على حضور الله الحيّ بين شعبه وأنبيائه وقدّيسيه.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما