لمـّا أعلن الملاك للرعاة أنّ المسيح قد وُلد، قال لهم “إنّي أبشرّكم”. والفعل مشتقّ من لفظة “إنجيل”. هو أعلن لهم إنجيلاً قال عنه إنّه “فرح عظيم”. فالفرح سيترافق مع عمل المخلّص الذي وُلد. إنّها بهجة الخلاص الذي حلّ اليوم.
وفي أحداث الإنجيل نرصد كيف أنّ هذا الفرح يستعلن ويكبر مع الإيمان بالربّ يسوع الإله المتجسّد. ثمّ نقرأ في نهاية السرد الإنجيليّ أنّ “الفرح العظيم”، الذي بشّر به الملاك عند ميلاد المخلّص، قد اكتمل وملأ قلوب التلاميذ (أنظر لو52:24) الذين شهدوا عمل المسيح الخلاصيّ يتحقّق ويكتمل (راجع الآيات 44:24-48). من رأى قيامة المصلوب من أجلنا، ومن آمن بإنجيل صليبه وقيامته، يُدرك ما هو هذا “الفرح العظيم” الذي بشّر به الملاك عند ميلاد “الطفل الموضوع في المذود”.
لقد فهمت الكنيسة العلاقة بين ميلاد المخلّص وآلامه وقيامته، فنُظمت تسابيح العيد لمن وُلد ليجدّد إنساننا العتيق، ليقلب الفساد الذي تسبّبت به الخطيئة، ويضع حياةً حيث ساد الموت، ونورًا حيث أفسدت الظلمة. ورُسمت الإيقونات التي تماهي بين المغارة والقبر، وبين الأقمطة والأكفان. وُلد من سيعلّمنا المحبّةَ التي لا يَحُدُّ عطاءَها الموت، ونهجَ الصليب الذي إذا سار فيه الإنسان يُعطي مجدًا لله في العلى ويَسُرُّه،
فيكون سلام الله عليه. وُلدَ الّذي هَدانا إلى سبيل الصّليب، نحمله بفرحٍ إلهيّ لكي نخلص به من الغضب.
وبما أنّ الخلاص يتلازم مع عمل المخلّص منذ ميلاده، ولأنّ صَلبَ الإنسانِ ذاتَهُ، بِدَورِه، من أجل المخلّص ومن أجل الإخوة، هو هدف الخلاص الذي صَنَعَهُ المسيحُ الرّبّ، لذا، فَمِنَ الصَّعبِ أن نَجدَ تعليمًا في العهد الجديد عن موت المسيح وقيامته من أجلنا لا يتبعه بشكلٍ أو بآخر تعليمٌ عن صَلبِ ذَواتِنا معه، ومن أجله، عن الخطيئة. هكذا، ومن اللحظة الأولى، تَرافَقَ ميلادُ المخلّصِ المسيحِ الرَّبِّ المصلوبِ والقائم، مع آلام أطفالٍ، ماتوا من أجله، وإن لم يفهموا ذلك.
حَصَدَهُم سيفُ الحاسد الذي كان هدفه أن يقتل المسيح. ظَلَمَهُم جسديًّا، لكنَّ دِماءَهُمُ الْتَحَمَتْ بِدِماءِ المخلّص، فنالوا بَواكيرَ الفرح العظيم.
هيرودسُ المجرمُ يَقتلُ اليومَ الصِّغارَ والكبار، الرّجالَ والنّساء، وهَدَفُه الدّائمُ أن يَقتلَ المسيح. تُسفَكُ اليومَ دِماءٌ زكيّةٌ بَريئةٌ كَبَراءةِ الأطفال، وراحيلُ تَبكي اليومَ في دمشقَ وحمصَ وحماة وحلب … من أجل المخلّص يموت الأبرياء، ومعه يُصلَبون. ولكن، في غمرةِ حُزنِهم يُشرقُ فرحٌ عظيم، لأنّ المخلّص وُلِدَ لنا في بيت لحم.
راحيل الباكية هي التي تعيّد اليوم عيد الميلاد الأبهى.