نتجاور ولا نتعارف

mjoa Wednesday January 15, 2014 84

نحن نتجاور ولا نتعارف. نسكن في حارة واحدة أو في قرية واحدة، ويزور واحدنا الآخر، لكنّنا نبقى نجهل بعضنا بعضًا. نرتاد الأمكنة ذاتها، ونعمل معًا في المكاتب الواحدة، وندرس جنبًا إلى جنب في المدارس والجامعات الوطنيّة والخاصّة، لكن نبقى على جهلنا واحدنا للآخر. نتحالف سياسيًّا وندخل في محورين سياسيّين متقابلين يضمّ كلّ منهما مسيحيّين ومسلمين، ومع ذلك نبقى موغلين في جهل بعضنا البعض.

لبنان بلد الحوار الإسلاميّ – المسيحيّ، لبنان بلد التعايش أو العيش المشترك أو العيش معًا، لبنان البلد الرسالة أو النموذج في اللقاء بين أبناء الأديان، لبنان مركز الحوار بين الحضارات والأديان… كلّها شعارات لا تعبّر في واقع الأمر عن الحقيقة المرّة التي يحياها المواطنون اللبنانيّون. فبلدهم ما زال يعاني آثار الحروب الطائفيّة والمذهبيّة المتتابعة منذ ما ينيف عن قرن ونصف قرن. مع ذلك نريد اعتبار هذه الشعارات الهدف الأسمى الذي يسعى إليه اللبنانيّون في حياتهم السياسيّة والاجتماعيّة المشتركة. ولا يسعنا أن نقبل تلك الشعارات جميعها إلاّ على سبيل الرجاء بتحقيقها في الآتي غير البعيد من الزمان.

لقد درّست المسيحيّة في معهد عالٍ للدراسات الإسلاميّة، ودرّست الإسلام في أكثر من معهد للاهوت المسيحيّ، فوجدتُ جهلاً مطبقًا لدى كلا الطرفين عن أبسط التقاليد والعادات والأعياد والمناسبات والمعتقدات والشعائر التي يمارسها الطرف الآخر. فطالب اللاهوت المسيحيّ لا يعرف معاني ذكرى عاشوراء وتاريخها وأسباب انطباع الوجدان الشيعيّ بها، ولا يعرف ما هي الأركان الخمسة، وثمّة صورة مشوّهة عامّة عند كلّ الطلاّب عند الكلام على الدروز ومذهبهم التوحيديّ. أمّا طالب الفقه الإسلاميّ فلا يعرف شيئًا عن رموز القدّاس والمناولة والمعموديّة والأسرار المقدّسة، وعن التاريخ الكنسيّ والمراتب الكهنوتيّة… أسئلة تخال أنّها بديهيّة، وتظنّ أنّ أجوبتها يملكها كلّ لبنانيّ، ولا سيّما طلاّب اللاهوت المسيحيّ والفقه الإسلاميّ، بسبب الاختلاط والتجاور، لكنّ الخيبة تلازمك أينما حللت.

المعرفة الحقيقيّة هي ما يحتاج إليها كلّ لبنانيّ، معرفة يقدّم فيها كلّ مذهب نفسه كما هو، وكلّ كنيسة نفسها كما هي. هكذا يتمّ إقصاء كلّ الأحكام المسبقة والمشوّهة التي كوّنها الخيال الجمعيّ لدى كلّ طرف عن الطرف الآخر. وأهمّيّة هذه المعرفة الحقيقيّة هي أنّها تقود إلى التعارف الحقيقيّ والحوار البنّاء الذي لا بدّ منه من أجل ترسيخ اللقاء الوطنيّ في سبيل خير العباد وإعمار البلاد.

أمّا المفتاح الأساسيّ لهذه المعرفة المنشودة فيكمن في انتهاج “تربية دينيّة” مشتركة إسلاميّة-مسيحيّة في المدارس. فالتعليم الدينيّ في لبنان ما زال يقسم الصفّ الواحد إلى قسمين بحسب ديانة التلميذ، وهذا ما يوحي للتلامذة بأنّ كلّ الموادّ التعليميّة تجمعهم فيما يفرّقهم الله والإيمان. من هنا نشأت ضرورة إقرار تربية دينية موحّدة تنتهج منهج العلوم الإنسانيّة كالفلسفة وتاريخ الحضارات، وتقدّم بشكل غير وعظيّ وغير تبشيريّ وغير دعويّ تاريخ الأديان والشعائر والعقائد وسير أهمّ الشخصيّات كما تقدّمه الطوائف والمذاهب على اختلافها. هكذا تساهم المدارس في تنشئة تلامذتها على المعرفة الحقيقيّة عن الآخر المختلف دينيًّا بكلّ احترام ومودّة، وتزيل من عقولهم كلّ الروايات المشوّهة والقائمة على الأحكام المسبقة والخاطئة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share