وقفةٌ أمام معنى الزمن

mjoa Wednesday January 15, 2014 87

في عيد رأس السنة نودِّع عاماً ونستقبل عاماً. ودوماً نُحمِّل، نحن البشر، السنةَ الجديدة الكثير من الأمنيات والطموحات والأحلام والمشاريع. الأسئلة التي تطرح ذاتـها: ما قيمة التاريخ؟ وما معنى الزمن؟ ومَنْ يعطي التاريخ والزمن قيمتهما ومعناهما، وكيف ذلك؟
 
يرتبط البشر بالزمن بعُرى وثيقة لا ينفكّ الإنسان يتآكل بها من يوم ميلاده إلى يوم وفاته. لا مناص ولا فرار لأحد من الزمن، فهو يسحب معه الكلّ، دون استثناء، إلى الموت.


 
 في خِضَمّ هذا الزمن يخطُّ الإنسانُ بأفعاله تاريخَ حياتِه الشخصيّ. وهنا علينا أن نعود إلى أنفسنا، وأن نتأمّل في مطلع كلّ سنة جديدة حياتَـنا، وأن نتساءل: ماذا نؤرِّخ نحن البشر في سجلّ زمن حياتنا؟ هل نؤرِّخ مآثرَنا وإنجازاتِنا ومطامحَنا الشخصيّة؟ بمعنى هل نخطُّ تاريخاً دنيويّاً، مادّيّاً، صرفاً، لا وجود لله فيه، أم نؤرِّخ لعلاقة شركة وأُلفة وعِشرة بيننا وبين الله؟ هل أبني تاريخ حياتي بالتعاون مع الله وبالله أم بدون الله؟ في العالم، المجد البشريّ والسلطة والعلم والمال هي ما تعطي الأعمالَ البشريّة قيمتها، وهي تقدّم المعايير التي على أساسها يجري تقييم نجاح أو فشل أيّ عمل أو إنجاز بشريّ.
 
في المسيحيّة، ليس “العالم” هو من يعطي للعمل قيمته بل “طلب الله”، فهل نطلب الله في أعمالنا وهل نسعى إلى مشيئة الله فيها أم لا؟ ومن هنا نجد أنّ تاريخ البشر يتأرجح بين تاريخ خطايا وبُعدٍ عن الله وبين تاريخ عودةٍ وتوبةٍ وعِشرةٍ مع الله. وهنا بالتحديد يتّضح لنا معنى الزمن، الذي هو ليس سوى وقت ” افتداء وتوبة” أو “اغتصاب للملكوت”. هذه هي الرؤيا المسيحيّة للزمن، وخارج هذه الرؤيا يتلطَّخ الزمن وينفسد. ومن ناحية أخرى تتّضح لنا الغاية من العمل، ففي النهاية، ما يعطي الأعمال قيمتَها هو طلبُنا لـ “مشيئة الله” فيها، وليس حجمها أو مرابحها أو تأثيراتها.
 
عندما يأتي الإنسان إلى الوجود يُسجَّل اسمه في سِفر الأحياء كما يرد في سفر المزامير الشريف. وعلى هذا النحو يُنعِم الله مجاناً على الإنسان عند ولادته بالوجود وبتسجيل اسمه في سفر الأحياء. لكنّ تقدمة الله هذه تبقى عربوناً وهديّةً إلهيّةً، فهي في الوقت عينه ليست كافية للخلاص إِنْ لم يشارك المؤمن فيها. يتوقّف خلاص المؤمن حُكماً على الله، ولكن في الوقت عينه ليس بمعزل عن الإنسان نفسه. بمعنى، لا بد من أن يشارك الإنسان ذاتُه في خلاص نفسه. لهذا لا يكفي أنَّ الله قد دوَّن أسماءنا في سفر الأحياء، إذ لا خلاص  إن لم تُكتب أسماؤنا في سفر الصدِّيقّين أو سفر حياة الخروف المذبوح. وهنا يبدأ دور المؤمن إذ يتوجّبُ عليه أن يطلب من جانبه الله ومشيئتَه في أعماله، حتّى يؤهَّل ويستحقّ أن يدوَّن اسـمُه في سفر الصدّيقّين، وحينها يأخذ الزمن قيمته الحقّة، يتقدّس، ويصير تاريخُ الواحد مِنّا تاريخَ مآثرِ إيمانٍ أو إنجازات نفوسٍ تعشق الله وتبتكر شتّى الطرق والوسائل حتَّى تعبِّر عن حبّها لله.
 
يبقى الزمن في المسيحيّةِ عطيّةً إلهيّةً وأمانةً تخصُّنا نحن البشر؛ ترتبط استمراريّتُه وحيويّتُه بأعمالِ إيمان مُحبِّـي الله، وَمِمّا لا شَكّ فيه أنّ الزمن سينتهي وسيتوقّف إذا ما انقطع عن غايته، أي إذا غاب الإيمانُ بالكليّةِ عنه وأصبح بالكامل عقيماً، تاريخاً جليلاً لكن في البعد عن الله وهجرانه. هذا، ما أكَّده المسيحُ نفسُه عندما تساءل قائلاً: “متى جاء ابنُ البشر، هل يَجِدُ إيماناً على الأرض؟” (لو 8:18). أَتُحِبُّ الله وتؤمنُ به؟ إذًا، “أَرِني إيمانَكَ في أعمالِك”. آمين.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share