الكنيسة منظّمة إلهيّة إنسانيّة Théandrique، إلهيّةٌ لأنّها جسد المسيح الحيّ، وإنسانيّةٌ لأنّها مجتمعٌ بشريٌّ محدَّد. كمنظَّمةٍ بشريّة هيرركيّة، ترتبط بسرّ الكهنوت وبمجمع الأساقفة. رأس الكنيسة يسوع المسيح الإله الإنسان، ورأسها المنظور في الكنيسة المحلّيّة هو الأسقف، صورة المسيح مكانيًّا.
الأسقف هو أبٌ روحيٌّ وراعٍ، على مثال يسوع المسيح “الراعي الصالح”، يرعى شعبَهُ قاطعاً باستقامةٍ كلمةَ الحقّ”.
إلى جانب الأسقف، هناك الكاهن والشمّاس. الكاهن يُقيم الأسرار (كالقدّاسِ الإلهيّ وسرّ المعموديّة..) ما عدا سرّ الشرطونيّة (رسامة إكليريكيّ).
الكاهن أبٌ روحيٌّ وَراعٍ لِرعيّتِه. كأبٍ روحيٍّ يُمارسُ سرّ التوبة والاعتراف.
الشمّاسُ يُساعدُ الأسقفَ أو الكاهن في إقامة الأسرار، وكذلك في الأعمال الاجتماعيّة.
الكاهن، حسب القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، يتمتّع بخدمةٍ تفوق خدمة الملائكة القدّيسين. هذا يعود ليس إلى استحقاق الكاهن الشخصيّ بل إلى النعمة الإلهيّة “التي في كلّ حين للمرضىَ تَشفي وللناقصين تُكمّل”. الكنيسة بذلك تصبح مستشفى فيها يُبَشَّرُ بإنجيل الملكوت، ويرعى فيها الأسقف (أو الكاهن) شعبَ الله كمرشدٍ روحيّ وكطبيب للنفوس، عن طريق سرّ التوبة والاِعترافِ والإرشادِ النفسيّ والرّوحيّ.
الجدير بالذكر أنّ الكنيسةَ، بشريّاً، لا تتألّفُ من الإكليريكيّين (الأساقفة والكهنة والشمامسة) فقط، بل وأيضًا من المؤمنين العلمانيّين. كلّهم يؤلِّفُ شعبَ الله، شركةَ يسوع المسيح الإله الإنسان. حسب القدّيس ديونيسيوس الأريوباجيّ، يُفترض أن يكون الشمّاسُ مجرّداً من الأهواء، والكاهنُ مستنيراً، والأسقفُ متَّحداً بالله “قديساً”. هذا صحيح، لكن عملّيًّا نحن كلُّنا خطأةٌ نُجاهدُ عن طريق التوبةِ في سبيلِ خلاصِ نفوسِنا. مِن هُنا نَستَوحي الملاحظات التالية: أنّ الإكليريكيّين بلا استثناء لا يزالون بَشَراً ضعفاء وخطأة، يُجاهدون هم أيضًا من أجل خلاص نفوسهم. مع ذلك ينبغي لهم بقدر إمكاناتهم أن يكونوا قدوةً لبقيّةِ الناس، بل وبعيدين أيضًا عن المعاصي الكبيرة والمُعثرة. لذلك قال عنهم القديس غريغوريوس اللاهوتيّ إنّ عملَهم عملٌ تربويّ pédagogique في إرشاد النفوس إلى الخلاص”. نفهم من كلّ هذا أنّ عمل الكاهن لا يقتصر على إقامة الأسرار (القدّاس، المعموديّة، الإكليل، الجنازة…) روتينيّاً، بل يشمل أيضًا كما ذُكر التعليم والإرشاد ورعاية النفوس. ليس موظّفاً، بل راعٍ وأب.
هذا يعود، كما قلنا آنِفًا، إلى النعمة الإلهيّة التي يأخذونها في أوان الشرطونيّة. أخيراً وليس آخراً تعلّم الكنيسة بكلّ حكمة أنّ الأسرار المقدّسة (كالأفخارستية) تفعل في المؤمنين استناداً إلى نعمة الخادم الكهنوتيّة، وليس وَفقاً لطهارة نفسه وسلوكه العامّ.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما