إلى الوحدة

mjoa Saturday January 25, 2014 99

نجدد في مثل هذا الأسبوع ذكرى الوحدة المسيحية التي نتوق إليها. نقول ان لنا إيمانًا واحدًا. في الأساسيات صحيح اننا لسنا في الواقع المنظور كنيسة واحدة. محزن هذا الواقع لأنه صورة تمزقنا. غير ان القادرين على رؤية أعماقنا يعرفون ان جميع الذين يحبون يسوع المسيح يجعلهم هو واحدًا فيه.

  أنا لا أتوقع ان نصبح يومًا كنيسة واحدة متراصة ذات هيكلية قانونية. هل أراد المسيح في الحقيقة وحدة كهذه؟ على الأقل أراد الا نتقاتل مع انه لا بد من الجدل ولكن الجدل أمسى قليلا بيننا. ليس اننا نرضى عقليًا بالخلاف وهناك غير خلاف ولكن باتت قلوبنا متداخلة مع اعتبار ان الآخر على خطأ كبير أو صغير. صرنا نرى ان المسيح يحبنا جميعًا على اختلافنا.

ماذا يعني ان نصبح في الواقع واحدًا؟ ما تتوق إليه الكثلكة اي خضوع المسيحيين جميعًا على اختلاف ألوانهم وعقائدهم وبلدانهم لسلطة مركزية آمرة ناهية غير معقول على المدى المنظور والمدى غير المنظور. الرؤية الأرثوذكسية التي أدين بها تبدو لي صورة الوحدة كما عاشتها المسيحية قبل الانشقاق أي تلاقي كنائس الأرض في وحدة الإيمان والتقديس في نظام أسقفي جامع. ولا يبدو لي ان الكنائس قابلة في المدى المنظور ان تعتمد نظام الأسقف الأعلى التنفيذي في كل الكنائس. هذه الأممية المسيحية لم يكن لها وجود يومًا. خارج كل نقاش لاهوتي لا أرى ان العقل البشري العصري يقبل سلطة انسان واحد على المسكونة كلها حامل عصمة إلهية في ذاته ولو افترض انها مستمدة من عصمة الكنيسة.

إلى أي هدف نتوق ان تكلمنا عن وحدة المسيحيين؟ ليس أحد في الكثلكة أو غيرها يحلم بأن المسيحيين جميعًا يريدون ان يعيشوا تحت سلطة واحدة. الأرثوذكس يعتبرون ان عندهم وحدة كاملة بوجود كنائس مستقلة إداريًا وواحدة في الايمان. الكاثوليك على اعتقادهم في وحدتهم يعرفون ان ثمة لاهوتًا فرنسيًا ولاهوتًا المانيًا وان الوحدة الكاثوليكية نفسها أمنية ولا وحدة قبل اليوم الأخير. الإنسان في مسعى.

وما يبدو وحدة منظورة في الكثلكة قائم مع تعدد وتنوع كثيرين. ماذا يجمع في الواقع السيكولوجي كاثوليك المانيا وكاثوليك أميركا الجنوبية؟ ماذا يجمع موارنة جبة بشري الذين عايشت وأحببت إلى لاتين ميونيخ؟

اظن ان الجهد الكبير في السعي الوحدوي يقع على عاتق الكنيسة الكاثوليكية بحيث تقبل تنوعًا في فهم الكنيسة الإداري. بات صادمًا لمشاعر الحرية عند الشعوب ان توجد سلطة تنفيذية وحيدة في الكنيسة الجامعة. النمط السائد في البشرية تنوع الأمم ومواهبها واختلافها في الأنماط مع سعي إلى توحيد الوجدانات والمساعي. لذلك كان التصور الكاثوليكي لوحدة قائمة على عصمة رئيس وقوته التنفيذية في العالم غير مرتضى عند الأكثرين. ولهذا يزين لي ان كل المساعي البابوية لتوحيد الفكر اللاهوتي والأنماط التدبيرية والمناهج عند الشعوب. كل تصور السلطة في المركزية والرؤية الأممية لحكم الكنيسة أمسى من مخلفات القرون الوسطى. لذا باتت الكنيسة الكاثوليكية متحيرة بين ميراثها السلطوي وتطلعات الكنائس المحلية أو الاقلية لتأكيد ذاتيتها بالروح القدس.

ان تؤمن روما بأنها تأتي من الكنائس ولا تذهب إليها فقط بدء خلاصها وخلاصنا. ان تعلي روما الألفية الأولى فوق رؤوسنا هذا مشتهانا. ان تصبح الكنائس الأرثوذكسية واحدة في مقاربتها روما وأقل خوفًا هذا هو الرجاء.

ان تعي الكنائس الأرثوذكسية انها ان قويت في المعرفة اللاهوتية لا تستطيع كنيسة أخرى ان تبتلعها وان فيها من عظمة الروح والقداسة ما يجعلها تواجه العالم المسيحي كله هذا بدء طريقنا.

دعائي إلى الله في هذا الموسم ان تقتنع كنائس منطقتنا انها مدعوة إلى الإسهام في الوحدة على صعيد اقليمي وعلى صعيد عالمي. ليس علينا ان يصطف كل فريق منا إلى مثيله في الخارج بل علينا ان نبدع في العطاء اللاهوتي ولا يعوزنا في هذا تدريب أو فطنة.

ليس على أي فريق مذهبي عندنا ان يكتفي بالاتكال على مثيله في الخارج من حيث الفكر. مطلوب إسهامنا في الفكر الخلاق. العلاقات الودية جيدة وقد ارتقينا بها. ولكن لا بد من لاهوت على المستوى العالمي. ليس حسنًا ان نكتفي بالترجمات. اننا قادرون على الإبداع.

على المستوى العالي من الإبداع ترتسم معالم الوحدة الفكرية كما ترتسم في العلاقات الرعائية بالمحبة.

لا تقتصر المحبة على ان نقوم باحتفالات دينية معًا كالأكاليل والمآتم. هي ان نختلط في حياة اللاهوت بمقدار الحضور والإنتاج. هي الا نخشى الاختلاط بين عناصر التعليم أساتذة وطلابًا، هي ان نعترف بأن الآخر أفضل منا في هذا الحقل أو ذاك، هي ان نطالع خير الإنتاج اللاهوتي عند الجميع، ان ننقد بصراحة ما يصدر عندنا، ان نرى كنيسة المسيح في حقيقتها بادية في هذه البيعة أو تلك. هي ان نحب معالم القداسة في كل كنائسنا وان نصر مع ذلك على ما يجمعنا في استقامة الرأي عند الجميع.

كنيسة المستقبل لا تنبع من كنيستي وحدها. تأتي منا جميعًا أولاً بالحب والتواضع وثانيًا في الدراسة اللاهوتية. بعض منا يحب التقارب البسيط على طريقة المودات في لبنان. هذا جيد ولكنه لا يكفي. الفهم أساس التلاقي.

ان السير إلى الوحدة كامن في جدية السعي إلى الحقيقة التي في المسيح أي في تقديس الحياة وتعميق الفكر اللاهوتي. اللاهوت الحقيقي تبلغه ان أحببت ربك. ليس هناك فقط تنزيل. هناك درس. لا تخش الاحتكاك بفكر الآخر. هو يهذبك، يرقى بك إلى الرب وأفهم ان خير طريق لك إلى رؤية الوحدة السعي في الدراسة اللاهوتية الدائمة التي تحررك من الانغلاق وتذهب بك إلى حرية أبناء الله.

السعي إلى الوحدة في حقيقته هو السعي إلى رؤية الله في تجلياته في الكنيسة وفي العالم. ان أحببته كثيرًا ترى كثيرًا وتسير مسيرة طويلة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share