الخروف ينتصر على الوحش

mjoa Wednesday January 29, 2014 84

احتفل المسيحيون، الأسبوع الماضي، بـ”أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس” عبر نشاطات عدّة تحلّقوا فيها حول الدعاء من أجل ترميم الوحدة المنشودة، تنفيذاً لمشيئة الرب بأن يكونوا واحداً كما أن الثالوث الأقدس واحد.

هذه المناسبة السنوية طغت عليها، هذه السنة، الهواجس التي يحياها المسيحيون في ظل الظروف القاسية التي تمرّ فيها سوريا، حيث يدفع المسيحيون الى جانب مواطنيهم المسلمين ضريبة القتل والذبح والتهجير والخطف والاغتصاب. هذه الضريبة لم تميّز بين مسيحي ومسلم، ولا بين سنّي وعلوي وشيعي وإسماعيلي ودرزي، ولا بين أرثوذكسي وكاثوليكي وبروتستانتي وأرمني وسرياني
وأشوري… كلهم كأسنان المشط سواسية، ضحايا الحقد الأعمى الذي لا يستثني أحداً منهم.

من البديهي القول أن المسيحيين في سوريا لا يعتبرون أنفسهم أعظم شأناً وأهم قدراً من المسلمين شركائهم في الوطن الواحد. وهم يجدون أنفسهم متضامنين مع أبناء سوريا جميعاً في المصائب التي يتشاركون في تلقّي ضرباتها التي تقع على رؤوسهم كافة. وهم صابرون ويصلّون في كل حين من أجل عودة السلام والاستقرار والأمان الى أرض آبائهم وأجدادهم.

لا شكّ في أن المسيحيين، عندما يصلّون من أجل وحدة كنائسهم، إنما يصلون ايضاً من أجل وحدة أوطانهم ومجتمعاتهم، ومن أجل ترسيخ وشائج المودّة والقربى مع جيرانهم الى أي دين أو قومية انتموا. المسيحية والتقوقع ضدّان لا يلتقيان ولا يتماشى أحدهما مع الآخر. المسيحية إما أن ت كون عامل سلام ووئام، وإما لا تكون أصلاً.

الوحدة في هذا العالم، على الصعيدين الديني والوطني، تبدو عسيرة التحقّق، بسبب خطايا البشر ونقائصهم القيمية. غير أن دماء الأبرياء المسفوكة، مسلمين ومسيحيين وملحدين ولاأدريّين، هي التي تصنع الوحدة في العالم الآتي. ما يعجز عن صنعه البشر يصنعه الله بواسع رحمته وقدرته. الأبرياء هم أصفياء الله بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والإيديولوجية والعرقية.

يسعنا في هذا المقام أن نستلّ من كتاب “رؤيا يوحنا” قول كاتبه عن الملكوت: “هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعباً، والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد” (21، 1-4). هذا الملكوت لم يتحقّق بسوى دم المسيح المهراق على الصليب: “لأنك، أيها الخروف (اسم من أسماء المسيح في الرؤيا)، ذُبحتَ واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة” (5, 9). والخروف انتصر على الوحش وعلى مَن تخلّق بأخلاق الوحش.

المطرانان المخطوفان اللذان بلا ريب يصليان بلا انقطاع من أجل الكنيسة والوطن، وراهبات معلولا الأسيرات اللواتي لا عزاء لهنّ غير قوة الصليب المحيي، وسائر المختطفين والمعتقلين ظلماً الذين لا سند لهم سوى عاضد الحزانى، والضحايا البريئة الصارخة دماؤها نحو خالقها، هم الذين تضمّهم الكنيسة الواحدة غير المنظورة التي الله وحده صانعها. وهم ايضاً صانعو وحدة سوريا الارض والتاريخ والمصير المشترك.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share