الزيارة السلامية الثانية للبطريرك يوحنا العاشر للكنائس الأرثوذكسية إلى موسكو – اليوم الرابع قبل الظهر

mjoa Wednesday January 29, 2014 75

الزيارة السلامية الثانية للبطريرك يوحنا العاشر للكنائس الأرثوذكسية – “زيارة بطريركية موسكو وسائر روسيا” – تقرير ملخص عن بعض وقائع اليوم الرابع – قبل الظهر
موسكو،

في اليوم الرابع من الزيارة البطريركية الأنطاكية لكنيسة موسكو، كانت صباحا زيارة الوفد الأنطاكي برئاسة البطريرك يوحنا العاشر برفقة وفد كبير من بطريركية موسكو إلى دير الثالوث الأقدس الشهير المعروف باسم “لافرا الثالوث المقدس- القديس سيرجيوس” في مدينة “سيرغي بوساد” التي هي على مسافة 75 كيلومتر شمال شرق موسكو.


هذه “الرحلة-المحج” لهذا الدير الكبير جعلتنا كوفد أنطاكي ندخل ُدرجاً دُرجاً في أعماق أعماق تاريخ كنيسة روسيا النسكية والرهبانية والروحانية. فوطئت أقدامنا أراض مُقدسة شهدت جهادات نساك ارثوذكس كبار.

وشاهدت أعيننا مَعالم وأبنية وأيقونات وأواني ليتورجية ومخطوطات وكتب إلخ كلها تحكي عن تاريخ روسيا الأرثوذكسي وعظمته الروحية.

وسمعت آذاننا تراتيل أدتها جوقات كبرى بالعدد والتواضع وحسن الإداء رحَّبت بالبطريرك الأنطاكي وَوفد الكنيسة التي يَؤُمُّها، وكأنها هذه الأصوات المنشدة كالملائكة حملتها لنا اليوم تراكمات تاريخية لإنشاد صلاتي قام عليه الدير لعهود وسنين طوال.

فهذا المُجمَّع الديري الكبير يُعتبر من أشهر وأكبر أديرة الكنيسة الروسية وأقدمها. سُمِّيَ على اسم القدّيس سيرغي رادونيجسكي كون هذا القدّيس الشهير، الذي تحتفل الكنيسة الروسيّة هذه السنة بذكرى مرور 700 سنة على ميلاده والذي يَكُنُّ له جميع الروس كلّ احترام وتقدير لدوره التاريخي في حماية روسيّا، هو الذي أسسه في أواسط القرن الرابع عشر وجاهد فيه ونمّى الحياة الرهبانية حوله هو وتلاميذه. وكلمة “لافرا”، وهي من أصل يوناني، تعني في التقليد الرهباني الأرثوذكسي مُجمَّع ديري يعيش فيه الرهبان الحياة الرهبانية وفق نظام مشترك يتبعون فيه نصف نظام حياة الشركة ونصف نظام حياة التنسك.

أمّا في التقليد الروسي فتسمية “لافرا” تُمنح تكريماً لدير كبير له مكانة كبرى في تاريخ الحياة الكنسية والرهبانية للكنيسة الروسية. وهكذا بالنسبة لدير “اللافرا” كون مؤسسه هو القدّيس سيرجيوس، ورفاته ورفاة تلاميذه لا تزال فيه.

وأهميته التاريخية ثانية، كون هذا القدّيس الروسي الكبير هو الذي بارك الأمير ديميتري دونسكوي سنة 1380 عشية معركة “كوليكوفا” الشهيرة ضد التتر وهي الانتصار الأول للروس بعد 150 سنة من حكم التتر عليهم.

وتاريخ هذه البركة مؤرَّخ بجدرانيات الدير ورافقتنا اليوم في قاعة طعام رئيس الدير حيث تناول الوفد الأنطاكي الغذاء برفقة الوفد الروسي. وأهمية الدير تكمن أيضا أنه فيه كان ظهور والدة الإله للقدّيس سيرجيوس مُعلنة له أنه سيكون له تلاميذ بإعداد كبيرة لا تُحصى مثل أعداد العصافير الكثيرة التي لا تحصى والتي رآها بالرؤيا.

وهذه الرؤيا أيضا هي مرسومة على جدرانيات قاعة طعام الدير حيث كانت مائدة المحبة اليوم على شرف بطريرك أنطاكية والوفد المرافق له. ومن معالم أهمية الدير التاريخية أيضا، أنه هناك رَسم كاتب الأيقونات الشهير القدّيس أندره روبلوف أيقونته الشهيرة، أيقونة الثالوث الأقدس، ورسم جدرانيات كاتدرائية الدير الرائعة، التي تحل رؤيتها عليك ببهاء ورصانة لترفعك إلى عالم لا تدري أنت إذا كنت فيه في عالم اليوم أم عالم الأمس ولكن بالأكيد في معية القدّيسين. ومن أعمية الدير الأيقونوغرافية، أن رسام الأيقونات الكبير دانييل تشيرنيي، رسم مع روبلوف أيضا بعضًا من هذه الجدرانيات.

الحديث عن مشاهداتنا في هذا الدير قد يطول وكنّا قد وصلنا إليه صباحًا وعند ترجل غبطة البطريرك استقبله رئيس الدير برفقة عدد كبير من الرهبان الذين رافقوه والوفد الأنطاكي، بموكب مهيب يمينًا وشمالاً على وقع التراتيل المتواترة.

فتقدّم غبطة البطريرك والوفد الأنطاكي إلى الطريق الداخلية المؤدية إلى أول كنيسة داخلية في الدير حيث كان بانتظار الوفد الأنطاكي عددًا كبيرًا من الرهبان.

فكانت أول صلاة شكر بالعربية والروسيّة أمام ضريح القدّيس سرجيوس حيث لا تزال رفاته قائمة حتى اليوم.

فكان تبجيل للهامة الكنسية الرهبانية الكبرى ومن ثم زيارة لضريح أحد تلاميذه المباشرين في كنيسة ثانية ملاصقة للأولى ومن ثم الوصول إلى الكاتدرائية الكبرى. حضر هناك عدد كبير من تلامذة الأكاديمية الدينية والرهبان والزوار.

وكانت صلاة شكر وترتيل وترحيب بالضيف الأنطاكي الكبير والوفد المرافق له.

فألقى غبطة البطريرك يوحنا كلمة تناول فيها العلاقة التواصلية بين القداسة والصلاة والتأمل والتقوى والرهبنة ونمو الحياة اللاهوتية والأكاديمية. “الحري بنا، قال البطريرك يوحنا، ونحن في هذا المكان أن نتأمل كيف أن حياتنا المسيحيّة الأرثوذكسيّة اللاهوتية والأكاديمية تستمد أصولها وترتوي إلى الآن بذكرى القداسة وتتقوى وتنهل من الرهبنة فتبني صروح العلم الأكاديمي على مداميك الحياة الصلاتية المعاشة والملموسة، لا على الفكر الكُتُبيّ المحض.”

وكان له قول ودعوة بضرورة الجمع بين التقوى وأبحاث المفكرين لكي لا يكون لنا لاهوت أكاديمي فقط بل لاهوت مصلي تأمُّلي ينمي الفكر والأبحاث الفكرية اللاهوتية.

فقال في هذا الصدد أننا “نحن مدعوون في كليات لاهوتِنا أن نجمع بين اثنين. نحن مدعوون أن نجمع ما بين تقوى الأولين وبساطة إيمانهم وأبحاث المفكرّين. نحن مدعوون أن ننظر المستقبل بخبرة الماضي وندرس الماضي بعيون المستقبل. لقد كان للتقى دورٌ واضحٌ في صون الإيمان وإيصاله لنا سواء في أنطاكية أو في روسيا، كما أن للعلم اللاهوتي دوراً هاماً في دعم هذا الإيمان وترسيخه. تقوى الأولين، كما يسميها البعض، أو غيرتهم هي التي أوصلت أرثوذكسيتنا من جيلٍ إلى جيل…”

“فاكتساب بساطة الإيمان يتماشى مع دور العلم اللاهوتي الأكاديمي. وحريٌ باللاهوتي أن يعيش اللاهوت مُغترفاً في الوقت ذاته من خبرة الحياة الصلاتية المقترنة بالدراسة والتعمق في الكتب. اللاهوتي الحق هو الذي يتوسل كل الأشياء الصلاتية والأكاديمية ليصل إلى قرب صليب الرب ويسمع من المخلّص بنوّته للكنيسة بشخص يوحنا اللاهوتي وأمومتها لها بشخص العذراء.”

بعدها كانت جولة في متحف الدير الذي يضم قاعات داخلية للبطاركة الروس وملابسهم وصور وأغراض كانت لهم في خدمتهم الكنسية، مجموعات كبيرة من الأيقونات والتحف الكنسية والأغراض الليتورجية.

بعد هذه الجولة توجه الجميع إلى غرفة الطعام حيث كانت مائدة محبة على شرف الوفد الأنطاكي تلاه تبادل للهدايا والكتب والتذكارات.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share