عيد اليوم يمكن اعتباره عيد المسيح في انسانيته، في ناسوته المقدّس. فإذا كان عيد الظهور الإلهي بشقيه الميلاد والمعمودية كشفًا لطبيعة ربنا الإلهية، إعلانًا لأزليته، فإن عيد اليوم يخبرنا ان السيّد كان طفلا حقّا وكان معدًّا في جسده للآلام. هذا العيد بحقيقته هو عيد اللقاء كما نسمّيه في اللغة اليونانية. لقاء يسوع مع سمعان الشيخ ولقاء يسوع مع هيكل أورشليم.
يدخل المسيح إلى الهيكل طفلا، ولكن في الحقيقة يصير هو هيكل الله. تذكرون انه سوف يقول: “انقُضوا هذا الهيكل وأنا أَبنيه في ثلاثة أيام” (يوحنا ٢: ١٩). كان يتكلّم عن هيكل جسده. لم يعد هناك هيكل من حجر، هيكل الله هو جسد المسيح. هناك يسكن الله. لذلك لما دخل يسوع الى هيكل سليمان، أُبطل هذا الهيكل وزالت شريعة اليهود.
في الهيكل استقبل يسوعَ رجلٌ اسمه سمعان. لم يكن كاهنًا ولا يقول عنه الكتاب المقدس انه كاهن. كان رجلا مصليا، عابدًا. كان من اولئك الرجال الذين يتردّدون على الهيكل ويقضون نهارهم فيه. هكذا كانت ايضًا حنّة النبيّة. لما تقبّل سمعان يسوع الطفل على ذراعيه، قال: “الآن أَطلق عبدك ايها السيد حسب قولك بسلام، فإنّ عينيّ قد أَبصرتا خلاصك”. هذا الشيخ كان يُردّد كلامًا لإشعياء النبي: “نورًا للأمم وخلاصًـا إلى أقاصي الأرض” (٤٩: ٦). يطلب سمعان الموت بعد ان رأى الطفل الإلهي ظاهرًا بجسده. الخلاص الذي كان اليهود ينتظرونه يتحقق بهذا الطفل عندما يموت ويقوم من بين الأموات. ليس خلاصًـا عالميًا أرضيا للشعب اليهودي من عبودية الأجانب، انما الخلاص الذي أَعدّه الله أمام كل الشعوب، اليهود والأمم، نورًا يظهر للأمم الوثنية ومجدًا للشعب اليهودي الذي كان ينتظر المخلّص.
سمعان الشيخ فهم ان هذا الطفل جاء للمجد الحقيقي للشعب المؤمن آنذاك الذي كان شعب اليهود، وجاء ليضيء الأمم جميعها بالخلاص كما سيظهر بالفداء وبالقيامة وبمجيء الروح القدس على التلاميذ وبانتشار الرسل في العالم ليبشّروا بالإنجيل وليؤسسوا كنيسة المسيح على الأرض.
أمّا لماذا أُدخل يسوع الطفل الى الهيكل، فالجواب أن هذا تطبيق للشريعة اليهودية التي تقضي بأن يُعوّض عن الابن البكر بضحية الى هيكل اورشليم فداء له. كل ولد بكر كان يجب ان يُفدى بزوج يمام أو فرخَي حمام أو بخروف إذا كان ابن عائلة غنية. يذكر الإنجيلي لوقا هذا: “على حسب ما هو مكتوب في ناموس الرب من أنّ كل ذكر فاتح رحم يُدعى قدوسًا للرب” اي مكرّسًـا للرب. ورد هذا في سفر الخروج (١٣: ١): “وقال الرب لموسى: كرّس لي كل بِكر فاتح رحم من الناس والبهائم في بني إسرائيل”.
لماذا يجب ان يُفدى الصبيّ البكر؟ لأن الأولاد الأبكار في الشعوب القديمة كانوا يُذبَحون ضحايا للآلهة الوثنية. ولكن لما جاءت ديانة الإله الواحد عند العبرانيين، لم يكمّلوا تقليد ذبح الأبكار، واستُعيض عن التضحية بهم بتضحية حيوان. وفي هذا الخط دخل الطفل يسوع الى الهيكل لأنه كان خاضعًا للشريعة.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)