الاستكبار

mjoa Saturday February 8, 2014 120

إن رمت التكلم في التواضع يعسر عليك ذلك لندرته وصعوبة الاستقصاء عنه من حولك. في كنيستي صلاة قصيرة يطلب فيها المؤمن اتضاع الفكر. لماذا أضاف الكاتب الى الاتضاع كلمة الفكر؟ ربما لاعتقاده ان عند الأذكياء نوعاً من الاستكبار.

  بدءًا لا بد من التمييز بين المفاهيم فليس ما يدل على استكبار. الأذكياء في غالب الأحوال الناقصون في المعرفة هم المدعون. ان صعوبة الحديث عن التواضع ان طبيعته مجهولة فهو ليس استصغار الإنسان لنفسه لأن في هذا اساءة إليها. المتواضع الفطن يعرف ملكاته. لا يستكبر لأنه ينسبها إلى الله. لأنك ان لم تعرف قدرتك لا تنتج. لا يقنعني أحد ان الكاتب الكبير لا يعي نفسه لكنه قادر على التواضع من حيث انه يعرف ان ما فيه ليس آتيًا منه ولكن من الله. فما من شك ان كبار الشعراء يعرفون كبرهم وان كانوا عظامًا لا يستكبرون. ليس التواضع نكرانًا لما فيك من بهاء فكر أو من عظمة فضيلة. انه ان تنسب ذلك إلى ربك وتتوارى ولا تستعظم لأنك في التعظيم تصبح جاهلاً. ان رأيت ربك في كل شيء لك ان تعترف بذلك. العظيم الفكر من اعترف بأنه مبلّغ وانه مودَع الحقيقة. ان تتوارى لا تعني انك تعرف نفسك جاهلاً اذ بذلك تكون قد أخطأت إلى الحقيقة. أنت تتوارى أمام وجه الرب. لك ان تقدر ذكاءك. ليس في هذا خطيّة ولكن عليك ان تنسب ذكاءك إلى مصدره الإلهي. لماذا جعلك ذكيًا، فطنًا، ملتمعًا هذا شأنه. تأخذ هذا وديعة ولا تأخذه ملكًا أي تبقى إلى ربك فقيرًا.

الاستكبار ميل شائع عند الموهوبين اذا ألحدوا. أما إذا آمنوا، فيعرفون ان الفكر الإلهي هو وحده مصدر ذكائنا فإن لم تعرف ان فكرك مرآة فكر الله تميت نفسك. غالبًا ما نستكبر قبل ان يقبضنا الله.

في البدء والمنتهى كان الاستكبار إلحادًا لأنه نكران عظمة الله. لا يحق لك ان تتعظم لأنك صغير أصلاً ولا يزيد أحد على قامته شبرًا واحدًا. في الحقيقة ما كان التواضع استصغارًا للنفس. انه حقيقتها. يبدأ وجودك الروحي عندما ترى نفسك صغيرًا أمام الله واذا شئت الكمال ان ترى نفسك دون الناس جميعًا. الشيء الوحيد الذي نعرفه عن ذاتنا اننا لا شيء في ذاتنا واننا نصبح ما يريده الله لنا بنعمته.

أنت في ميلادك كنت وعدًا رافقتك النعمة فصرت بها شيئًا مقبولاً. لا شيء يحدك ما عدا خطيئتك فسر أمام الله ليراك ويوجدك.

من أراد نفسه كبيرًا يرى إلى ذاته وانه عظيم بها. المتواضع لا يستصغر نفسه. يعرف نفسه مخلوقًا أي محدودًا، فقيرًا إلى الله الذي لا يكمل أحد الا بنعمته. فقط من أدرك انه بالنعمة يصير هو الإنسان المتواضع. هذا لا يرى نفسه موروثًا قائمًا بذاته. يحس انه دائمًا آتٍ من الله وان خطيئته تعوق تقدمه. كذلك لا ينسب خيرًا إلى ذاته ولو حققه. من هنا نعرف انه يرى نفسه ابنًا لله.
من فهم هذا لا يستكبر. يستكبر من ظن نفسه شيئًا. الكبير روحيًا من عرف نفسه لا شيء والله وحده يراه، اذ ذاك، شيئًا كبيراً.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share