أحد مرفع اللحم

mjoa Monday February 24, 2014 100

هذا الأحد هو “أحد مرفع اللحم”  لأنّه اليوم الأخير الذي يُسمح فيه بأكل اللحوم، تُرفع بعده عن المائدة، لندخل أسبوعًا إعداديًّا للصوم الأربعينيّ، الذي يستمرّ حتّى أحد الفصح المقدّس. والكنيسة تُذكّرُنا بواسطة النصّ الإنجيليّ بهدفٍ من أهداف الصوم، ألا وهو كسر النفس وتليينها وجعلها قريبة من الآخر، لتقترب من الله. لأنّ المحبّة وحدها  هي التي تُقرّبنا من السيّد له المجد، وبها وحدها يتعرّف الله علينا.


يُعرف هذا اليوم أيضًا بـ “أحد الدينونة”، إذ نقرأ فيه إنجيل الدينونة كما ورد في متى (25: 31 – 46 ) وهنا، يُحاكم يسوع البشر على أساس المحبة،  فهو قاضٍ عادل وهو وحده يعرف الحقّ والباطل، ويعرف مكنونات القلوب.
 
إنّ المقياس الوحيد للدينونة لا يكمن في علاقة الإنسان بالله، بقدر ما هو علاقة الإنسان بأخيه الإنسان. لأنّ الطريق الوحيد الذي يقودنا إلى الله يمرُّ بأخينا الإنسان “من لا يُحبّ أخاه يبق في الموت” (1يو14:3).
 
غدًا، نمتنع عن أكل اللحوم، وهذا الامتناع غايته توفير المال وإعطاؤه للمحتاجين من إخوتنا محبّةً بهم، لأنّه إذا جاع واحد من الإخوة لا نأكل بل نطعمه هو. وهذا أهمّ تعبير عن الشركة القائمة بين أعضاء الكنيسة جسد المسيح.
وفي هذا السياق، يصف القدّيس العظيم إسحق السريانيّ كيف يجب أن يكون القلب رحيمًا.
 
لذلك،  يجب أن يشتعل قلبه محبّة لكلّ الخليقة دون استثناء. فالإنسان “الرؤوف ليس الذي يُحسن إلى أخيه بالعطاء المادّيّ فقط، بل من يحترق قلبه على أخيه إذا سمع أو رأى شيئًا يُحزنه. الرؤوف أيضًا هو الذي يتحمّل الضرب دون مُقاومة، مخافة أن يُحزن قلب أخيه”.
 
الشيء الوحيد الذي نحمله معنا إلى الحياة الأبديّة هو الرحمة اللامتناهية والمحبّة اللاغائيّة. المسيح لن يدينَنا لأنّنا خطأة أو صالحون، بل سيدينُنا على عدم إحساسنا. لأنّ الخطيئة العظمى هي عدم الإحساس: “كنت جائعًا فلم تُطعموني وعريانًا فلم تكسوني وسجينًا فلم تزوروني……”.
 
لا تستطيع أن تصوم أيّها المؤمن، أو بالأحرى لن يكون صيامك مقبولًا ومقدّسًا، إذا كان جارك يتضوّر جوعًا أو يئنّ ألمًا.  فأنت تدخل في موسم الصيام المبارك لكي تحبّ، لكي تشارك الفقراء المتألّمين والحزانى.
 
رجائي أن ندخل الصوم المقدس بتواضع وانسحاق ومحبّة حقيقيّة، لأنّ هدف هذا الجهاد الروحيّ أن نُحبّ الأخوة، أن نحسّ بهم وأن نلحظهم. ولا ننسى أنّ المؤمن الحقيقيّ هو من يحمل في قلبه الكون كلّه ويحمل الله إليه. لأنّ المحبة  وحدها هي مفتاح الملكوت.
 

                                                                                                                                + الأسقف قسطنطين كيّال           

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share