شرح تفصيلي لتاريخيّة الأحداث الخاصة بأحد الأرثوذكسيّة

mjoa Tuesday March 11, 2014 777

هو الأحد الأول من الصوم نعيّد فيه تذكار تعليق ورفع الأيقونات المقدّسة بعد حقبة طويلة من السنين عُرفت بحرب الأيقونات وذلك في القرنين الثامن والتاسع ميلادي.

استمرت حرب الأيقونات 120عاماً, حيث دُمّرت وحُرقت الكثير من الأيقونات وسُفكت فيها دماء عديدة من الرهبان والمؤمنين الذين دافعوا بشراسة عن لاهوت الأيقونة وارتباطها بسر التجسّد. أسباب عديدة ومختلفة أدّت إلى هذا الإضطهاد الدموي، منها من داخل الكنيسة نفسها، ومنها عوامل خارجيذة محيطة ومعتقدات اخرى مختلفة ومضادة، لكنهّا كلّها جوهرها واحد وهو: رفض تجسّد المسيح وبالتالي ضرب مشروع الخلاص كلّه بعرض الحائط. وهذا طبعًا شيطاني.

انقسمت هذه الحرب إلى مرحلتين رئيسيتين:

1- المرحلة الاولى: بدأت في العام 726م وإمتدت إلى العام 787م، وذلك عندما هاجم الإمبراطور ليون الثالث الأيقونات ومنعها وأحرق واتلف وكسّر منها كلّ ما طالته يداه أي أيدي عسكره الذي كان ينفّذ أوامره الصارمة، كما إضطهد لدرجة القتل كلّ من خالف قراراته من المسيحيين. إنتهت المرحلة الاولى في ظل حكم الإمبراطورة إيريني. كما إنعقد على أثر هذه الاحداث المجمع المسكوني السابع عام 787م  في نيقية والذي ضمً 357 أسقفًا. أقرّ هذا المجمع تكريم الأيقونات لإرتباطها بسر التجسّد.

2- المرحلة الثانية: إمتدّت هذه المرحلة من العام 813م لغاية العام 842م. بعد موت الإمبراطور ثيوفيل المحارب للأيقونات قامت الإمبراطورة ثيودورا بوقف هذا الإضطهاد الشنيع وكان هذا إنتصارًا ثانيًا.

حجج الهراطقة      

– الله حرَّم في وصاياه رسماً له لأنه لم يُرَ ولا يُرى.
– إن إكرام الأيقونات لا يجوز لأنه حينئذٍ يعبد الناس المادة.

    رد الكنيسة

– إننا نعبد المسيح ونكرّم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وبالتالي نحن لا نكرّم المادة (الخشب – الحجارة) بل الكائن المرسوم فيها، أيّ ما تمثّله.
– « لا يمكن رسم الله الذي لا يدرك, وغير المحدود, أما الآن وقد ظهر الله بالجسد وعاش بين البشر, فأنا أرسم الله الذي تراه العين فأنا لا أعبد المادة بل خالق المادة الذي استحال مادة لأجلي». القدّيس يوحنا الدمشقي
– « من حيث أنه ولد من الآب غير القابل للوصف, فلا يمكن أن يكون للمسيح صور, أما من حيث انه ولد من أم عذراء, قابلة للوصف, فله صور تطابق صورة أمه قابلة الوصف». القدّيس ثيودوروس الستوديني

1

 

* لماذا تصرّ الكنيسة على تخصيص أوّل  أحد من آحاد الصوم للإيمان المستقيم؟

السبب أن عقيدتنا اذا كانت منحرفة فالإمساك عن الطعام لا ينفعنا شيئًا. الإيمان الصحيح والقويم هو بدء الحياة المسيحية وركنها واستمرارها.

تأسس هذا العيد عام 842م بعد هزيمة محاربة الأيقونات، وكان يُقرأ في هذا الأحد في الكنائس، مستند رسمي اسمه “السينوذيكون” الذي كان يحرّم كلّ الهراطقة بأسمائهم. واعتبر المسيحيين أن يجاهر الإنسان بعقيدته واجباً وحاجةً وشهادةً وصدقًا.

بماذا نحتفل؟

نحتفل في الأحد الأول من الصوم الكبير بعيد أرثوذكسيتنا، الّتي هي كنيسة الآباء والقدّيسين والشهداء والأبرار، فنحتفل بما تنبَّأ به الأنبياء وبالتعليم الذي استلمناه من الرسل وكتبه الآباء ووافقت عليه المسكونة الذي به بقيت مستقيمة الرأي وأظهرت الحقيقة المستلمة من الرب يسوع المسيح لكل العالم.

التسليم أو التقليد:

في المجمع المسكوني الرابع (451م) وبأسلوب صريح وواضح تم تحديد ما يُسمى بتقليد الكنيسة وحياتها أي التعليم الأرثوذكسي. تعيش الكنيسة هذا التعليم (الأرثوذكسي) كإيمان مسلّم من السيد المسيح ذاته، وتظهره بالتعليم الشفوي أو المكتوب أو بالليتورجية الإلهية كعبادة وشركة أسرارية. يُعتبر التقليد بالنسبة للكنيسة الكنز الثمين، تعيشه استناداً على إيمان الرسل والآباء والمؤمنين الأرثوذكس، وبه تسعى لكشف كلّ حقائقها، معلنة للعالم بشجاعة وجرأة أن المسيح هو الإله الحقيقي الذي تعبده وتسجد له.

هي تعلّم بتكريم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وذلك لقداسة حياتهم وصدق كلامهم ومؤلفاتهم ولتضحياتهم في الكنيسة، فهي تقدّم لهم ولأيقوناتهم التكريم، أمّا السجود هو للمسيح فقط. فالكل تقدّس بالمسيح وقدّموا له كلّ حياتهم الذي هو الكل بالكل.

لهذا السبب في هذ الأحد تأخذ الكنيسة على عاتقها المسؤولية كاملةً أمام الله والتاريخ وجماعة المؤمنين، وتؤّكد بأن إيمانها هو بالحقيقة ذات إيمان الرسل والآباء وإيمان كلّ أرثوذكسي حق.

فهي الوحيدة القادرة على تفسير الإنجيل تفسيراً معاشاً صار إلى تقديس كثيرين، فتعود إلى الآباء الذين فهموا الإنجيل بالروح ذاته الذي كتب فيه، وعاشوه وتقدّسوا بنعمة الروح القدس، وتعطيهم الأولوية في شرح الإنجيل. ” (الروحيّ يحكم في كلّ شيء اكو15:2)

انتصار الأرثوذكسية:

2 هذا اليوم هو يوم انتصار، أي انتصار إيمان الكنيسة على التعليم الكاذب المميت.

ابتدأ هذا الانتصار منذ تجسّد الله وصيرورته إنسانًا ، فاتحدت الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة، كما تشير طروباريّة عيد البشارة: اليوم رأس خلاصنا… ويتبعه انتصار المسيح على الموت بالقيامة،

فرحنا بقيامة المسيح من الأموات يساوي فرحنا لانتصار الأرثوذكسية على التعليم المنحرف.

وكما يحتفل كلّ مسيحي بالقيامة يجب أن يحتفل كلّ أرثوذكسي بانتصار أرثوذكسيته على انتشار الإيمان المفسد الحياة. قال الرب: “السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول” (متى35:24). وقال لبطرس أنت صخرة وعلى إيمان حقيقي كهذا سأبني كنيستي والموت لن يقوى عليها. (مت 17:16-18).

هذا هو إيماننا مستند على حضور المسيح في الكنيسة وهو الذي يصونها.

إن النصوص المتلوة أو المرنّمة في صلاتي مساء وسحر هذا الأحد تلّح على حقيقة التجسّد. فالمسيح المتجسّد هو المثال الجوهري والأصلي لجميع الأيقونات. وتعبّر بعض جمل التريودي عن المعني العميق لإكرام هذه الأيقونات.

كان القدّيسون الممجدون أيقونات حيةً لله، وإن كانت غير كاملة. لقد باتوا أيقونةً على مثال الأيقونة الأولى أيّ المسيح الإله المتجسّد. وهذا معنى كلمة أيقونة اليونانيّة التي تعني نموذج عن المثال الأصلي من هنا نقول أن الأيقونة تُكتب ولا ترسم أيّ تكتب بالروح فتصبح حيّة كالمسيح الذي تجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء على ما نقول في دستور إيماننا.. وأثناء قداس هذا الأحد، نسمع الكاتب الملهم في ما يتلى من الرسالة إلى العبرانيين، يصف آلام موسى وداود وآباء إسرائيل وشهدائه. هؤلاء كانوا صوراً مرسومة، لا على الخشب بل في الجسد. وكانوا يرمزون إلى الأيقونة النهائية، شخص المخلص وينبئون به.

إنجيل هذا الأحد يعبّر عن الإيمان الأرثوذكسي بقوله: “إنكم من الآن ترون السماء مفتوحةً وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر” (أيّ المسيح). فإذا كان الرّب يسوع هو الجسر القائم بين السماء والأرض يكون هذا تعبيرًا على أنه الإله الوحيد والحقيقي.

من هنا نرى الرسول فيلبس يقود نثنائيل إلى يسوع الذي سيصير هو أيضاً تلميذاً له.

نقطة انعطاف في حياة نثنائيل، وهي أيضًا نقطة انعطاف في حياة كلّ منّا، لحظة أو لحظات نكون فيها جالسين “تحت التينة”، لحظات عصيبة، كان يرانا فيها يسوع، دون أن يكون هو نفسه مرئياً، ويتدخّل، يقرع بابنا وينتظر جوابنا.

فالنرفع أيقوناتنا عاليًا ونقول بصوتٍ جهوري: “هذا هو إيماننا وسنحافظ عليه إلى الآبد”

ملاحظة: “الأرثوذكسية ” كلمة قديمة جدًا تعني التمجيد القويم أيّ استقامة الرأي وبالتالي الإيمان السليم، من هنا إيمان آبائنا القدّيسون الذي تسلّموه من الرسل، والمسلّم بحد ذاته من الرّب يسوع نفسه، والمستمر بالكنيسة مدى الأجيال بالروح القدس، تترجم صلوات وتراتيل ومواعظ واناشيد تعبّر كلّها عن الإيمان الذي هو التسليم الشريف، وهذا التسليم يجمع بالتساوي الكتاب المقدّس والليتورجيا وتعاليم الأباء القدّيسون. فإذا قارنّا العقيدة بصلواتنا والترتيل والكتاب المقدّس نرى أنهم واحد. وهذا ما تعلنه المجامع المسكونيّة السبعة.

* تفاصيل إضافيّة:

الواقع أن الاعتراض على الأيقونات لم يكن ابن ساعته ففي بدء القرن الرابع حرَّم مجمع ألفيرة Elvira المحلّي في اسبانيا إقامة الصور في الكنائس. 3

ورأى افسابيوس القيصري (يميل إلى الأريوسيّة بشدّة) مؤرّخ الكنيسة أن إكرام صور السيّد وبطرس وبولس كان من “عادات الأمم”، وفي القرن الرابع نفسه أيضاً مزّق ابيفانيوس القبرصي ستاراً في إحدى كنائس فلسطين لأنه كان يحمل صورة السيّد وأحد القدّيسين.

وفي القرن الخامس اعترض خينائياس أسقف منبج (488) على الأيقونات قبل سيامته.

ملاحظة: هذا كلّه بتأثير أريوسي الذي يرفض ألوهة الرّب يسوع المسيح ويعتبره مخلوقًا أي يرفض التجسّد الإلهي.

* * في القرن السادس جاهد اغاثياس (582+) في حماية أيقونة مار ميخائيل ضد المعترضين، وقبيل نهاية هذا القرن نفسه في السنة 599 حرّم سيرينوس أسقف مرسيلية إقامة الأيقونات في الكنائس فكتب إليه القدّيس غريغوريوس بابا رومة يثني على عدم التعبّد لما هو من صنع البشر، ويذكّر في الوقت نفسه بالمؤمنين الأمّيين الذين لا يقرأون ولا يكتبون، وبضرورة إعانتهم على النظر إلى ما لا يمكنهم أن يقرأوه في الكتب.

ويجب أن لا يغيب عن البال أن اليهود لم يرضوا قط عن شيء من هذا، وأن الإسلام علَّم بأن الأنصاب رجس من عمل الشيطان (سورة المائدة) وأن المانوية بثوبها البولسي استنكرت إكرام الأيقونات.

* لاوون والأيقونات:

يرى “شارل ديل” أن لاوون نشأ في جو عائلي أسيوي يمقت الأيقونات، ويرى في إكرامها خروجاً عن العقيدة القويمة وأنه رغب في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فرأى أنه إذا حارب الأيقونات يضرب الرهبان ضربة مكينة فيصيب عصفورين بحجر واحد.

ويلمس كار شينك في شخص لاوون الثالث ورعاً وتصوّفاً شديدين جعلاه يعتبر بما حلّ بالدولة من ويلات إلى إكرام الأيقونات.
ويقول كارل شفارتز لوزي بشيء من هذا، ويضيف أن لاوون كان جندياً خشناً لا يتذوّق الفن، وأن تربيته العائلية واحتكاكه باليهود والمسلمين دفعاه إلى تحطيم الأيقونات، ولا سيّما وأنه كان يعتبر نفسه رئيساً زمنياً وروحياً في آن واحد.

* يزيد والأيقونات:

(723) يرى رجال الاختصاص أن كتاب المسلمين حرّم الأصنام والأنصاب، ولكنّه سكت عن الصور والرسوم، وأن تحريم هذه جاء في الحديث فقط.

ويرون أيضاً أن الأمويين زيّنوا بعض قصورهم بما مثل الكائنات الحيّة. وأنّهم لم يتورّعوا عن التداول بالعملة البيزنطية التي كانت تحمل رسوم الأباطرة، وأن محاربة رسوم الكائنات الحيّة بدأت في عهد عبد الملك ابن مروان.

وهم يرون أيضاً في خلو فسيفساء الجامع الأموي – الكنيسة سابقاً – من رسوم الأحياء، دليلاً على بدء محاربة الرسوم في أوائل القرن الثامن.

شملت محاربة الأيقونات الكنائس والمعابد والبيوت، فأمر عبد الملك بن مروان بتحطيم جميع الصلبان. ثم جاء يزيد الثاني (720-724) فقرَّب يهودياً من طبرية وأصغى إليه. فأشار عليه هذا بتحطيم جميع الصور والصلبان حيثما وجدت وذلك ليطول عمر الخليفة وعهده.  فأمر يزيد بذلك، فتوفّي في السنة التالية.

وجاء في كتاب الخطط للمقريزي (جـ 2 ص 492-493) أنه لما توفّي يزيد، كان أسامة ابن زيد التنوخي متولّي الخراج على النصارى في مصر، فاشتد عليهم وأوقع بهم.

“ثم هُدّمت الكنائس وكُسِرت الصلبان ومُحيت التماثيل وكُسّرت الأصنام جميعها”.

وجاء أيضاً في تاريخ أبي فرج الملطي أن يزيداً “أمر أن تنزع صورة كلّ حيّ من الهياكل والجدران والأخشاب والحجارة والكتب” وأن لاوون ماثله في ذلك.

* أساقفة آسية الصغرى:

خاض الناس في خبر يزيد وانتشر بريده في آسية الصغرى، فتلقّاه قسطنطين أسقف نقولية Nocotia برُحب صدره فأطلق لسانه في هذا الموضوع.

فاعترضه رئيسه متروبوليت سنادة Synnada، فقام قسطنطين إلى القسطنطينية يبحث موضوع الخلاف بما جاء في الفصل العشرين من سفر الخروج: “لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي. لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيء مما في السماء من فوق ولا مما في الأرض من أسفل ولا مما في المياه تحت الأرض لا تسجد لهن ولا تعبدهم لأني أنا الرب إلهك إله غيور”.

وكان المتروبوليت قد كتب إلى البطريرك في ذلك أيضاً. فأسكت البطريرك الأسقف، وكتب إلى المتروبوليت ودفع بردّه هذا إلى الأسقف طالباً أن يوصله إلى رئيسه. فعاد الأسقف إلى نقولية واحتفظ برسالة البطريرك فاغتاظ المتروبوليت. وعلم البطريرك بذلك فكتب إلى الأسقف يهدده بالقطع.

وجارى قسطنطين كلّ من توما أسقف كلوديابوليس، وثيودوسيوس رئيس أساقفة أفسس. فكانت مشادة وكان انطلاق في سبيل تحطيم الأيقونات.

* بسر السوري ولاوون:

(723). وقد جاء في حوليّات ثيوفانس أن لاوون أحب مارقاً سورياً اسمه بسر، وأنّ بسراً هذا كان بطلاً مغواراً فأحبّه لاوون وعطف عليه.

ووقع بسر أسيراً في يد العرب، فدخل الإسلام ونال حظوة عند يهودي طبري كان يزيد الخليفة قد قرّبه من شخصه.
وجاء أيضاً أن بسراً عاد إلى القسطنطينية في السنة 723 واتّصل بلاوون فجعله بطريقاً فقتل في ثورة الارتفزدة في السنة 740.
ويعلّق بعض رجال البحث أهمية على اتّصال بسر بلاوون، فيشيرون إلى أن لاوون أعلن موقفه من الأيقونات في السنة نفسها التي اتّصل بها ببسر.

* بركان سنتورينة:

4 (726) وثار بركان جزيرة سنتورينة في السنة 726 وغارت جزيرة صغيرة بالقرب منها، وظهرت جزيرة جديدة فوق سطح المياه فرأى لاوون في هذا كله غضباً ربانيّاً فدعا الناس في العاصمة، وخطب فيهم منذراً موجباً التعبد لله وحده والتندّم على ما فرط منهم في إكرام الأيقونات.

فدمدم الحضور وهمهموا، فأكّد الأمبراطور أنّه لا يقصد التهاون بالأيقونات ولا الاستهانة بها، وإنّما يرغب في رفعها إلى محلات عالية في الكنيسة كي لا يؤدّي لمسها وتقبيلها إلى اتلافها. ولكن في الحقيقة كان الأمر مختلفًا وهذا ما ستثبتّه الأحداث لاحقًا.

* أيقونة خالكة:

(727) ثم أطلق لاوون لنفسه عنان هواه، فأمر في مطلع السنة 727 بإنزال أيقونة السيّد المخلّص من مكانها فوق أحد مداخل قصر خالكة.

فاضطرب سكان العاصمة وهجم بعضهم يمنع إنزال الأيقونة. فصدَّهم رجال الأمن، فاصطدم الفريقان ووقعت بعض الضحايا. فألقي القبض على المتظاهرين وجُلد بعضهم وشوّه البعض الآخر ونفي غيرهم.
ولم تلقَ دعاية لاوون آذاناً صاغية بين أساتذة جامعة القسطنطينية، فغضب لكرامته وشوّش عليهم. ولعلّه أقفل هذه المؤسسة.

 

* البطريرك والبابا:

ولم يتراجع لاون عن أرائه، فظلّ حتى السنة 730 يتحيّن الفرص ويفاوض. ففي السنة 728 فاوض جرمانوس البطريرك المسكوني في أمر الأيقونات، وزعم أن جميع البطاركة والأباطرة ضلّوا بما قاموا به من إكرام واحترام للأيقونات. فلم يتجاوب جرمانوس معه وخيّب أمله.
وكتب لاوون في هذه الأثناء رسالة إلى بابا رومة غريغوريوس الثاني واعداً وعداً كريماً في حال الموافقة على تحريم الأيقونات، متوعّداً بالخلع إن هو خالف الرغبة الملكية. فأنذر غريغوريوس المؤمنين بطغيان الأمبراطور.
ويستدل مما تبقى من نصوص هذه الرسائل، أن لاوون تذرّع بالتوراة لتحريم الأيقونات فاستشهد بالفصل الثامن عشر من سفر الملوك الثاني فذكر “كيف أزال حزقيا المشارف وحطّم الأنصاب وسحق حيّة النحاس التي كان موسى صنعها لبني إسرائيل، كانوا إلى تلك الأيام يقترون لها وسموها نحوشتان” وادّعى أنه إنما يقتضي أثر هذا الملك الصالح.

ومما احتج به لاوون في هذه الرسالة، أنّه اعتبر نفسه كاهناً وامبراطوراً.

أما غريغوريوس فإنه عاب على لاوون اقدامه على ما فعل بدون مشاورة السلطات المختصّة، وأكّد له أن ما ورد في التوراة إنما جاء ليردع اليهود عن التعبد للأوثان.

وفي أواخر السنة 729 أعاد لاوون الكرّة فبحث موضوع الأيقونات مرّة ثانية مع جرمانوس، ولكنّ جرمانوس أصرّ على إيمان الآباء بتكريم الأيقونات بما تمثّله.

* تحريم الأيقونات:

في عام 730 قام لاوون بدعوة المجلس Silention الذي يضم أعضاء مجلس الشيوخ الأعلى وكبار رجال الدولة والكنيسة إلى جلسة قانونية في قصر دفنة.

وكان لاوون قد أمر بإعداد بيان رسمي بتحريم الأيقونات. فلمّا اكتمل الحضور طلب الأمبراطور إلى البطريرك جرمانوس أن يوقّع هذا البيان. فرفض البطريرك ورفع الأوموفوريون وقال إلى الأمبراطور: “أنا يوناني اطرحوني في البحر. لا يمكنني أن أعترف إلاّ بالدستور الذي أقرّه المجمع المسكوني” وخرج إلى بيت أبيه وأكمل أيامه فيه.

واعتبر لاوون الكرسي القسطنطيني شاغراً فأوعز بارتقاء انسطاسيوس السنكلوس. فانتُخِب هذا بطريركاً مسكونياً في الثامن والعشرين من الشهر نفسه ودعا المجمع القسطنطيني إلى الانعقاد، وحرَّم استعمال الأيقونات.

وأرسل الرسائل السلامية، ووجه إحداها إلى غريغوريوس الثاني بابا رومة وأعلمه بما فعل. فاعترض أسقف رومة وألحّ عليه بوجوب العودة إلى الأرثوذكسية.

وضيّق الأمبراطور والبطريرك الجديد على من أيّد الأيقونات وعذّبا عدداً كبيراً من المؤمنين وشوّها وأعدما.

 

5

 

 

* موقف كنيسة أنطاكية:

كانت كنيسة أنطاكية لا تزال ميتّمة لا راعي لها. ولكن ابنها البار يوحنا الدمشقي هبَّ للدفاع عن الدين القويم فصنّف رسائل ثلاثاً ردَّ بها على لاوون وأتباعه فأتحف الكنيسة الجامعة بحجج لاهوتية منطقية دامغة أصبحت فيما بعد حجة الكنيسة الرئيسية.

وتُتعتبر رسائله هذه، أفضل ما صٌنّف لأنّه أثبت فيها مقدرة في الاجتهاد فاق بها جميع أقرانه من علماء القرن الثامن.

ولم يكتفِ قدّيسنا بقول بولس الرسول: “تمسّكوا بالتقاليد (التسليمات) التي تعلّمتموها إما بكلامنا وإما برسالتنا” بل ربط تكريم الأيقونة بسر التجسّد الإلهي وسر الخلاص مؤكِّداً أن من يحارب الأيقونات ينكر حرمة شكل الإله المنظور ويهدد سرّ التجسد بالانهيار.

ويرى بعض رجال الاختصاص أن يوحنا الدمشقي تكلّم في هذا الموضوع باسم يوحنا الخامس بطريرك أورشليم ، وزعيم كنيستي أورشليم وأنطاكية آنئذ، وأن هذا ما جعله يهدد لاوون باللعنة والقطع. ومما يذكر لهذه المناسبة أن قدّيسنا اعترض على تدّخل لاوون في أمور العقيدة واعتبر البحث فيها من خصائص الكنيسة الجامعة وحدها.

وأدّى اهتمام لاوون بالدين إلى سلخ أبرشيات أسورية عن كنيسة أنطاكية وضمّها إلى كنيسة القسطنطينية. فخسرت كنيستنا أربعة وعشرين أسقفاً ومتروبوليتاً. ولعل الظرف السياسي الحربي قضى بهذه التجزئة. فإن أسورية أصبحت بعد الفتح الإسلامي بعيدة عن أنطاكية خاضعة لأمبراطور الروم.

البابا غريغوريوس الثالث: (731-741) ودعا غريغوريوس الثالث إلى مجمع محلي في روما في أول تشرين الثاني من السنة 731. فحرم هذا المجمع كلّ من قاوم احترام الأيقونات وإكرامها.

فحرم لاوون بدوره أسقف رومة من دخل أوقافه في كلابرية وصقلية، ورفع سلطته الروحية عن الكنائس اليرية وكلابرية وسردينية وألحقها كلها بالبطريركية المسكونية. فبذر بعمله هذا شقاقاً في الكنيسة أدّى فيما بعد إلى عواقب وخيمة.

* قسطنطين الزبلي:

(740-775) وتوفي لاوون في السنة 740 فتسلّم قسطنطين الخامس أزمة الحكم في القسطنطينة.

وتبنّى قسطنطين مقاومة الأيقونات فأكّد استحالة تمثيل الله بواسطة المادة لأن المادة زائلة والله دائم. وقال إن ما يصح عن الله ينطبق على العذراء والقدّيسين لأنهم أصبحوا عند الله. فإذا ما مُثلوا بالمادة نُزع عنهم شرف وجودهم أمام الله.

وأضاف أن المسيح هو صورة الآب فإذا ما مثّلناه بالمادة نزعنا عنه طبيعته الإلهية وأصبحنا من النساطرة.

ويقول البطريرك نيقوفوروس أن قسطنطين صنّف رسالة في هذا الموضوع أكد فيها استحالة تمثيل طبيعتي المسيح الإله وأوجب اعتبار الافخارستيا صورة السيد الوحيدة. وهام قسطنطين في ضلاله فاستبدل اللفظ “ايبوستاسيس” الذي أقرّه الآباء في المجامع باللفظ “بروسيتون” فجارى بذلك من قال بالطبيعة الواحدة.

ثم شرع في اضطهاد الكنيسة فسخر بكلّ قدّيس وبالاحتفال به. ومنع الأعياد والأصوام. وحطّم الأيقونات وطلى جدران الكنائس بما يطمس الصور والرسوم. ولكنّه احترم الصليب، فزين به كلّ حنية ورسمه مكبّراً على سقوف الكنائس وحفره في المسكوكات والأختام.

ملاحظة: وجاء صليب هؤلاء المحطّمين عريض الأطراف شبيهاً إلى حد معين بصليب فرسان مالطة. وظهر في بعض الأحيان في المصكوكات والأختام قائماً فوق مدرج صغير. وبدا أحياناً أخرى في مجموع من الأغصان المورقة متأثراً بشكل صليب النصر القسطنطيني. ولعل علاقة الصليب بالنصر كانت هي الدافع لاستمساك المحطمين بالصليب وإبقائهم عليه. 6

وعلى أثر تفاقم الخلاف بين امبراطور الروم وبين كبار رجال الكنيسة الجامعة الأرثوذكسية في بطريركيات أنطاكية وأروشليم والاسكندرية، ضعفت سلطة هشام ابن عبد الملك ريبته فرخّص لهم بالرجوع إلى حقوقهم القديمة بإقامة بطاركة لهم من أحبارهم البلديين. فانتخبوا راهباً أعزّه هشام وأجلَّه، فرقي السدة الأنطاكية في السنة 742 باسم اسطفانوس الرابع.

واشتد الجدل في هذه الآونة بين علماء المسلمين وبين الآباء المسيحيين، فتخاصموا وتغالبوا في المناظرة يريد كلّ واحد إقحام خصمه.

وتدخل بطرس متروبوليت دمشق في هذا الجدل، وأيّده اسطفانوس الرابع البطريرك الأنطاكي الجديد، فغضب الوليد الثاني خليفة هشام (743-744) لكرامة الإسلام والمسلمين، فأمر باسطفانوس فقطع لسانه وتوفي في السنة 744. ثم أمر ببطرس فقطع لسانه أيضاً ونفي إلى “العربية السعيدة”.

وفي السنة 745 رضي مروان الثاني عن الكاهن الأرثوذكسي ثيوفيلكتوس ابن قنبرة الصائغ الرهاوي، فأوعز بانتخابه بطريركاً على أنطاكية. فاُنتخب وتسلّم عكاز الرعاية. وحرر الرسائل السلامية فوجهها إلى زملائه رؤساء الكنائس الخمس. ودافع عن سلامة العقيدة.

* مجمع هييرية:

(754) وقام قسطنطين الزبلي في حوالي السنة 753 يستمزج الرعايا في أمر العقيدة التي كان قد عقد نيّته عليها، فأمر الولاة والمطارنة بعقد الاجتماعات لهذه الغاية.

وبعد أن لاحت أشراط الفوز دعا الأساقفة إلى مجمع في قصر هييرية بالقرب من خلقيدونية في العاشر من شباط سنة 754. فالتأم في هذا الموعد ثلاث مئة وثمانية وثلاثون أسقفاً. ولم يظهر بينهم أي ممثّل لكنائس رومة والإسكندرية وأورشليم وأنطاكية. وتوفي انسطاسيوس البطريرك القسطنطيني قبيل انعقاد هذا المجمع، فتولى الرئاسة فيه ثيودوروس متروبوليت افسس. وكان قد اشتهر بعدائه للأيقونات.

وبحث الآباء المجتمعون أمر الأيقونات، فتبنّوا قول لاوون وابنه وأوجبوا نزعها. وأكّدوا أن تصوير المسيح بالمادة يعني واحداً من اثنين: إمّا القول مع نسطوريوس بإمكانية فصل الطبيعتين وتصوير واحدة منهما وهي البشرية، أو تأييد المونوفيسيين والقول معهم بطبيعة واحدة هي الإلهية.

وأبى الآباء أن يتقبّلوا شيئاً من آراء الزبلي الخصوصية.

وفي منتصف شهر آب من السنة 754 قدّم الزبلي البطريرك الجديد قسطنطين سيلايون إلى الآباء المجتمعين. ثم أعلنت في السابع والعشرين خلاصة أعمال هذا المجمع مشفوعة بإرادة امبراطورية تقضي بالتنفيذ وتؤّدي بقطع كلّ من جرمانوس القسطنطيني وجاورجيوس القبرصي ويوحنا الدمشقي.
وانتحل الآباء المجتمعون الصفة المسكونية لهذا المجمع فاعتبروه المجمع المسكوني السابع.

تضييق واضطهاد: وتقوى قسطنطين الخامس الزبلي بقرارات هذا المجمع فاندفع في محاربة الأيقونات أكثر من ذي قبل وصب غيظه وبلاءه على الرهبان. فكم عين قلع وكم يد وأذن قطع فضلاً عن قتلهم. وأكره طائفة منهم على الزواج إكراهاً. واستعرض مرة فئة منهم في ميدان الهيبودروم موجباً على كل منهم أن يمسك بيد امرأة في أثناء العرض.

ويقول ثيوفانس أن حاكماً من حكّام آسية الصغرى جمع رهبان ولايته وراهباتها فأمرهم بأن يرتدوا الأبيض ويتزوجوا حالاً ومن لم يطع فتسمل عيناه ويقصى إلى قبرص.

فهنأه الزبلي قائلاً: لقد وجدت في شخصك رجلاً يحب ما أُحب وينفذ جميع رغباتي. وصادر الزبلي أملاك الأديرة وضمها إلى أملاك الدولة.

وهكذا فرّ عدد كبير من الرهبان إلى إيطالية وجنوب روسيا وشاطئ لبنان وفلسطين.

 

حروب الأيقونات – مؤرّخ الكرسي النطاكي: د. أسد رستم



0 Shares
0 Shares
Tweet
Share