في النصف الأول من القرن العشرين ومع احتضار الدولة العثمانية وأفولها، كانت الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية تجاهد للخروج من الانحطاط الفكري والديني والروحي الذي كان يسيطر عليها. أما أسباب هذا الانحطاط فكثيرة، أولها الانحطاط الذي عمّ في الدولة العثمانية والذي لا يمكن أحداً أن ينكر تأثيره على كل الجماعات الدينية القاطنة في أراضي هذه الدولة.
بيد أن أهمّ هذه الأسباب هو الجهل باللاهوت وبالتراث الكنسي الحيّ الذي أدّى إلى استباحة الساحة الأرثوذكسية من المرسلين الكاثوليك والبروتستانت الذين مارسوا الاقتناص لضمّ الأرثوذكس إلى الكنائس الغربية، وقد نجحوا إلى حدّ كبير في بلوغ هدفهم، أي جذب الأرثوذكس إلى التخلّي عن إيمان أجدادهم واعتناق البابوية أو البروتستانتية، عبر استخدامهم المدارس والجامعات والمؤسسات الاجتماعية التي بنوها في سبيل التبشير.
ثار بعض الشبّان الأرثوذكس من طلاب المدارس الإرسالية ضدّ التشويه الذي كان يمارسه المرسلون في حقّ كنيستهم وتراثها، فالتمّوا وأسسوا في السادس عشر من آذار 1942 “حركة الشبيبة الأرثوذكسية”. وكان الجامع بينهم السعي إلى إعادة اكتشاف كنوز إيمانهم الأرثوذكسي وإحيائه ونشره. فوضعوا نصب أعينهم “نفض الغبار عن الكتب الآبائية العتيقة”، والاطلاع على آخر المؤلفات اللاهوتية التي كانت المكتبة العربية تفتقر إليها. لذلك، أصدروا مجلة “النور”، وأسّسوا “منشورات النور”.
اتفق المؤسسون على تسمية “الحركة”، وفق ما يقول أحدهم الشاب جورج خضر: “نقول حركة لأننا لسنا ولن نكون جمعية طائفية بالمعنى المألوف ذات مهمّة زمنية معينة، ولسنا نشكّل هيئة متجمّدة ساكنة في فكرتها وعملها”. ويتابع خضر تعريفه بالحركة، فيقول: “الحركة تدعو جميع أبناء الكنيسة إلى النهضة لأن كل أرثوذكسي، الفتى والفتاة، الرجل والمرأة، العلماني والإكليريكي، مسؤول عنها، لأنه لا إصلاح إلا بالعمل المشترك بين هؤلاء جميعاً”.
ما عهدت الحركة نفسها حزباً أرثوذكسياً، ولا فئة كنسية، ولا فرقةً متميّزة، ولا مؤسسة مستقلّة… أعضاؤها يستمدّون عضويتهم من التزامهم الكنسي، ومن ممارستهم الإيمانية والعبادية، ولا سيّما من القداس الإلهي الذي به يتحقّق الاتحاد ما بين المسيح والمؤمنين، وهم يخدمون الكنيسة كلّ بحسب الموهبة المعطاة له من الروح القدس.
قبل ربع قرن، قال المطران جورج خضر في أحد اللقاءات التي جمعت الشباب والشابات الجامعيين إن كل طالب من الحاضرين مسؤول عن تأسيس الحركة “اليوم، الآن وهنا”. وكان قصده أن الشباب يجب ألاّ يعيشوا على أمجاد الماضي، بل أن يتحلّى كلّ منهم بذهنية المؤسس المسؤول عن إعادة بثّ الروح في الكنيسة وكأن الحركة غير موجودة وهو المدعو إلى استدعاء الروح ليهبّ فيها.
هذه السنة، أطلقت الأمانة العامّة للحركة شعار “أنا صار عمري 72” للدلالة على أنّ كل حركيّ، من الطفل إلى الشيخ، إنما عمره من عمر الحركة. وبذا تريد الحركة أن تقول إنّ تراكم السنين لا قيمة له إذا لم يكن يتضمّن التزاماً حقيقياً بالكنيسة مكاناً للتقديس وللحياة مع المسيح. غير أن أجمل ما في العيد هذه السنة إنّما هو وجود المؤسس المطران جورج خضر، الشيخ الذي عاد طفلاً، السنديانة التي يستظلّها كثيرون.