أبناءنا وأهلنا وإخوتنا الأحباء،
في العاشر من شهر آذار 2014، فرحت قلوب النسيج السوري الذي تشكل بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس جزءاً لا يتجزأ منه بقدوم الأخوات راهبات مار تقلا وعودتهن إلى بر السلام بعد خطفٍ مدانٍ ومستنكر دام لأكثر من ثلاثة أشهر. إلا أن الفرح بقدوم أخواتنا عكّره ما جاء على لسان بعض أخواتنا الراهبات اللواتي كنّ قد خرجن للتوّ من اعتقال واختطاف قسريٍّ. إن غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يؤكد لجميع السوريين، مسيحيين ومسلمين، أبناءً وإخوةً، أن هذه التصريحات لا تعبر عن موقف الكنيسة، وهي نابعةٌ من سطوة اعتقالٍ طويل. ولسنا هنا بصدد تبريرها أو بمعرض تحليل ظروف صدورها.
تابع غبطته والكنيسة ارتدادات ما حصل؛ هذه الارتدادات التي تجاوز بعضها الحدث والتصريح للإساءة إلى الحضور المسيحي برمته، الذي يعرف الجميع دوره الوطني والإنساني. يؤكد غبطته أن الإساءات لا تعبر عن موقف السوريين ووطنيتهم، فهذه الكنيسة معروفة بوطنيتها وبما قدمه أبناؤها لبلادهم فكراً وعملاً وشهادة، وما يزالون، أسوةً بإخوتهم في المواطنة. إننا نأمل من أهلنا في الوطن أن يكونوا عاملين ومتكاتفين للخلاص من المحنة وألا يلجؤوا إلى لغةٍ لا تعبر عن قيمنا الروحية والحضارية بل أن يرتقوا إلى مستوى التضحيات. ونحن نؤكد أن البطريركية ، وكما كانت منذ غرّة المسيحية، ستبقى المدافعة عن كل السوريين والمشرقيين أينما كانوا، ساعيةً لإحلال السلام والأمن مكان القتل والتدمير والتكفير، وعاملةً على فك أسر جميع المخطوفين من دون تفرقة ليعودوا إلى عائلاتهم.
منذ بدء الأزمة في سوريا، والشعب السوري، مسلماً كان أو مسيحياً، يرزح تحت صليب شقاء هذا المشرق. والبطريركية الأنطاكية كما غيرها لم تنءَ يوماً عن تسمية الأمور بمسمياتها. وقد دانت وتدين كل إرهابٍ وتكفيرٍ وخطفٍ وعنفٍ يضرب الربوع السورية ويهدم المسجد كما الكنيسة. فالخطف والتعرض للمقدسات هما وجهان لعملةٍ واحدةٍ ومسمىً واحد، وهو الإرهاب. وفي غمرة فرحها بخروج راهباتها، وفي غصةٍ منها لما جاء من تصريحات، تدين بطريركية أنطاكية وسائر المشرق كل إرهابٍ وتكفيرٍ وخطفٍ يطال كل شريحةٍ من نسيج مجتمعنا الذي يدفع ثمناً غالياً لإيديولوجيات غريبةٍ عن قيم هذه البلاد وعن عيش أبنائها الواحد والذي يشهد له تاريخها القريب والبعيد.
يهم كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أن تؤكد دوماً أنها ابنة الوطن والديار التي تحيا فيها. وأن ما يصيب سوريا يصيب هذه الكنيسة في الصميم. نزيف سوريا هو نزيف قلبنا وسلامها بلسمٌ لقلوبنا ومجد سوريا إكليل غارٍ على رؤوسنا. والكنيسة التي قدمت جول جمال في خمسينيات القرن الماضي دفاعاً عن عزة وطن قدمت وتقدم إلى الآن قوافل شهداءٍ.
حمى الله سوريا، حمى الله رئيسها وشعبها، وأعاد إليها سلاماً نتوق إليه من أعماق القلب.