كلمة الاخت رنا عرنوق متري … في ال ٧٢‏

mjoa Monday March 17, 2014 147

عيد الحركة 15 آذار 2014 – جبيل

سيّدي المؤسّس، الآباء الأجلاّء، الأخ الأمين العامّ، إخوتي:

ولد أبي في العام 1942، وصار عمرُهُ اليوم 72 سنة. وولدت حركةُ الشبيبة الأرثوذكسيّة في العام 1942، وعمرُها اليوم 72 سنة. أبي والحركة صنعا لي وجوداً. أبي والحركة صنعا لهما في قلبي مسكناً أبديّاً. أبي والحركة لا أرى الشيخوخة تدركُهما، لأنّ حبَّهما يتجدّدُ فيّ أبداً.

لكنّ أبي، كسائر الناس، سينتقلُ عنا يوماً، ليلاقيَ وجهَ يسوع. أمّا الحركةُ، فستبقى أبداً مطرحاً يلاقي فيه الناسُ وجهَ يسوع.

كُلِّفتُ أن أحدّثَكم، اليوم، لكوني امرأةً سوريّةً حركيّة.

أمّا كوني امرأة، فيعنيني أن أقول إنّ معظمَ مؤسّسات الدنيا وحكوماتها باتت تلزم نفسَها بإشراك عددٍ من النساء في مجالسِ صُنعِ القرارِ فيها، لتضمنَ المساواةَ وعدمَ التمييز بين المرأة والرجل.

نحن نعرف “مريم”.

هي تعلّمُنا أنّه لا مكان لـ”لنساء” في الحركة، لأنّ أبناءَها شأنُهم، كما يقول رسول الأمم، أن يتشدّدوا، ويكونوا “رجالاً” في الحقّ، شهوداً للربّ. فحرّيّةُ أبناءِ الله لا يشوبُها ضعف، لأنّ المحبّةَ تلغي الخوف، وتجعلُ من شباب الحركة وفتياتها رجالاً لكنيسة المسيح.

لكنّ مريم تعلّمُنا، أيضاً أن نكونَ أمّهاتٍ ليسوع، أو أمّهاتٍ لإخوة يسوع الصغار. وما أحوج الحركة اليوم إلى رجال ونساء، شبّان وفتيات يشخصون إلى من حولهم بعينَيْ أمّ. فيلحظون الجمالَ فيهم صافياً. يعطفون على من أخطأ منهم، لأنّه، بالنسبة إليهم، هو الدنيا كلُّها. يرون خطيئةَ الآخرِ خطيئَتهم الشخصية، ويتوبون عنها أمام أبيهم السماويّ.

بعد أن أصبحت أمّاً لطفلتين، اجترأت على أن أسأل يسوع، مرّةً ومراراً، لِمَ علّمنا أن نصلي قائلين:” أبانا الذي في السماوات “. سألته لِمَ لمْ يُسَمِ اللهَ أبانا ” أمّنا”. فأبانا، الذي في السماوات، يتمخّض بنا بآلام كثيرة حتّى نولدَ في كنيسته أبناءً للحق. يرضعُنا من نعمه وحبه زاداً أبديّاً، عيناه تسهران أبداً لترعى خطواتنا، يرى الحسنَ في طلعتنا رغم بشاعات الخطيئة التي تشوّهنا. إنّه الأمومةُ في جوهرها.

فالله أمّ. وعلى مثاله، الكنيسة أمّ، والحركة أمّ، وشأنُ كلٍّ منّا أن يصبح أمّاً. هذا السيّد المؤسّس الجالس بيننا “أمّ” . فليس لأحد منّا أن يدعي أنّه رأى، في تاريخ الكنيسة، بشاعاتٍ أكثرَ من التي رآها هو. إن لم أنسَ دفعَ الروحِ القدس، فأقول الحقّ إن قلت إنّ ما رآه كان دافعًا ليرتضي في جوفه، مع أصدقائه، حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة. ما رآه حينئذٍ، كان كفيلاً أن يبعد كثيرين عن الكنيسة. لكنه بقي ملتصقاً بكنيسة الربّ أمِّه، أمِّنا، لأنّه اكتسب قلبَ “أمّ”. لقد رأت عينا هذا الأمّ لنا درب الحركة، ولا يليق بأيٍّ كان أن يخذل هاتين العينين، ويترك دروباً رسمتها لنا. لا يليق بأيٍّ كان أن يسألَه بعد 72 سنة إن كان محقّاً في رؤيته. وهل يخطئ قلبُ الأمّ؟

أمّا لكوني سوريّة، فإنّي لا أنوي أن أحدّثكم، في هذا العيد البهج، عن آلام الأمّهات والناس في سورية. فكلّنا نعلم بها. ما يعنيني أن أقوله اليوم، هو أنّ هذا النزاع قد يكون من أصعب التحدّيات التي واجهت الحركة منذ عقود عدّة. الحركة الأنطاكيّة جزؤها السوريّ ينزف شباباً كلّ يوم، ينزف نزيفاً قد يغيّر وجه الحياة الحركيّة والكنسيّة ووجه سورية في آن.

هذا التحدّي يمكن أن يمسي، باختيارنا، سبباً، لنشهد للحقّ. فالرئاسة الكنسيّة مكبّلة بمحاذير وظروف عديدة تجعل مساهماتها في ظلّ هذه الأزمة محدودةً إن بالقول أو بالفعل. أمّا الشباب، الذي حرّره مسيحُ الله، فهو قادرٌ أن يكتبَ للكنيسة الأنطاكيّة فصلاً مشرقاً على صفحات التاريخ. إنّ هذا يعني، في ما يعني، أنّ تعليم الكنيسة عن الكهنوت الملوكيّ لا يُجادل ولا تُبنى عليه الاستثناءات. كثيراً ما أسيء فهم تشديد الحركة على الكهنوت الملوكيّ وفسّر أنّه رغبةٌ منها للتسلّط على الإكليروس. لكنّ التجارب أثبتت أنّ دور العلمانيين، في الكنيسة، حجر أساس لا يُستغنى عنه ولا يمكن أن يتبدّل. وما ذكرته عن دور الشباب في سورية، برهانٌ جديدٌ وحاسم.

في أحد أعدادها، نشرت مجلّة النور نداءً وجّهه المطران جورج (خضر) إلى أهل معركة، فكتب : “سلام على من ماتوا في حسينيّة معركة لأنّهم قهروا ظلم الاحتلال وربحوا معركة الحبّ. سلام عليهِم لأنّهم يحمِلون الخِصب الإنسانيّ الآتي من الجنوب إلى لبنانَ كلِّهِ، نعاهدهم عهد الصدق على أنّنا معهم في مسيرة طهرهم”. هذا العهد، الذي حمّلنا السيّد الكاتب أعباءَهُ، يستمرّ في الزمان وعلى اختلاف الأمكنة، ويفرض علينا، أيًّا كانت التضحيات، أن نمشي مسيرة الطهر مع كل إنسان اختار معركة الحبّ. هذا هو شأن الكنيسة والحركة اليوم: أن تبحث، في أتون النار السوريّة، عن معاركَ حبّ تلتحق بركبها، وتشهد فيها لسيّد الحبّ. وهذه، في سورية، كثيرةٌ كثيرة.

إنّ الزمن في أرض بلادي هو زمن شهادة في سبيل الآخر أيضاً: “فأن تحافظ على سواك وعلى مقتنياته وعلى بقائه في بيته لأنّ أرضَه حبُّهُ، هذا ليس من أصول المحبّة فحسب، لكنّه من أصول العدل”. كتب هذه

الكلمات المطران جورج (خضر) أيضًا بعيد نزوح ثلاثين ألفاً من أهل صيدا. فما عسانا نقول ونكتب بُعيد نزوحِ تسعةِ ملايين سوريّ من بيوتهم إلى المجهول.

نعرف أنّ المرأةَ السوريّةَ الكنعانيةَ توسّلت أن يمنّ يسوعُ على ابنتِها بالشفاء. ارتضت أن تتلقّى عطيّتَهُ ولو كالكلاب التي تأكل من الفتات المتساقط عن موائد البنين. أتونُ حزنِها أسقطَ عنها وثنيّتَها، فشِهد يسوعُ لإيمانها. أجل، أجل، قلب الأمّ فيها أعطاها القوّة، لتصارعَ ما بدا من رفضِ السيّد لها، وترفضَ حبّاً آخر وكلّ عبادة أخرى، وترتضي تلك التي تليق به وحدَه. فعسى الله أن يمن علينا بقلب كقلبها.

وأخيراً، في عيد التأسيس هذا، يهمّنا أن نتذكّر أنّ من اختار اسم حركة الشبيبة الأرثوذكسية لنهضتنا كان مدركاً أنّ الجمود يقتلُ النهضة، لا بل أنّ ملكوتَ اللهِ نفسَه في حركة دائمة، لأنّ الجمود يجعلنا خارج الملكوت، في أسفل الجحيم. والحركة تكونُ بجعلِ التأسيسِ مستمرّاً أبداً. مبادئُ الحركة هي هي لا تتغيّر. وتكريسها يكون بجهاد مستمرّ نحو القداسة في التلمذة وعيش الإنجيل. إلا أنّ هذا التكريس يفرض علينا تجدّداً منفتحاً على إنجازات العصر في العلم والأدب والفنّ تماماً كما فعل المؤسّسون، وكما فعل آباء الكنيسة في غير جيل.

هنا يطيب لي أن أستذكر وإيّاكم معلّمَنا الأخ كوستي بندلي. هذا المعلّمُ الخلاّق لم يكن، تاريخيّاً، من المؤسّسيين الأوائل، لكنّه، بمقاربته للمبادئ الحركيّة ولإيمان كنيستنا، أسّس الحركة في قلوب كثيرين. فالشباب اليوم أحوجُ ما يمكن إلى من يخوضُ معهم تجربةَ الإبحار في الشكّ والبحث في الأسئلة الصعبة التي تطرحها على ضمائرهم متغيراتُ العالم. كم سكّن معلمُنا كوستي أمواجاً هائجة ضربت أشرعةَ محبّي يسوع، وكم رافقت كتاباتُهُ إبحارَ قلوبٍ توّاقة إلى السيّد.

هذه الحركة، التي سلّمْتنا إيّاها يا سيّدي، كعادتها، تلد مؤسّسين كثراً. خوفي من أن أجرح تواضعهم يمنعي من ذكر أسماء بعضهم. لكنّهم، هنا، بيننا يجلسون مشمّرين عن سواعدهم وغارسين ركبهم في تراب أنطاكية ينادون أبناءَها إلى وعي كلّ جِدّة.

قال لي، مرّة، أخٌ سيّدٌ تعلمتُ عليه الكثير، قال: إنّ كتاب أعمال الرسل هو كتاب الكنيسة، وهو كتاب مفتوح ينبغي لكلٍّ منا أن يضيف إليه فصلاً يحكي أعمالَه في حقل الربّ. أستلهم منه، لأقول: إنّ كتاب “أنطاكية تتجدّد” وغيره من الصفحات التي تحكي حكايات نهضتنا، هي كتب مفتوحة، ليكتب فيها كلٌّ منا فصلَه في التأسيس.

ولدت حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة في العام 1942، وهي تولد كلّ يوم على يدي مؤسّس فهم أنّ التأسيس دعوةٌ أزليّة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share