هل نصبح مثل الله؟

mjoa Sunday March 23, 2014 113

هوذا الأحد الثالث من الصوم وقد أدركنا فيه منتصف هذه الفترة المباركة فجعلنا الصليب محورا لهذا الجهاد، فإن الانسان قد يملّ اذا بلغ نصف هذه المدة، فأرادت الكنيسة أن يتابع سيره حتى يبلغ القيامة بفرح وصبر وسلام. ولهذا قبيل القدّاس الإلهي نطوف بالصليب الكريم موضوعًا على صينية من الزهر محاطًا بثلاث شموع مضاءة.

الشموع طبعًا ترمز إلى الثالوث القدوس الذي رأى قبل كون العالم أن المسيح سوف يُذبح. المسيح كما يحدّثنا سفر الرؤيا ذبيح من قبل كون العالم. محبته للإنسان جعلته ينظر إلى هذا الفداء الذي كان مزمعا أن يكمله من أجلنا.

هذا الصليب وضعناه على الزهر لأن الصليب ليس أداة آلام. انه يبتدئ بالآلام، ولكنه ينتهي بالقيامة. فبالصليب قد أتى الفرح لكل العالم، حتى اذا ما جاءتكم التجربة وقاسيتم الشدائد، وإذا كنتم ملاصقين للصليب، فإذ ذاك تعرفون أن القيامة من بين الأموات منتظرة إياكم. والقيامة لا نعني بها فقط ذلك اليوم الأخير الذي يُدعى فيه الناس من قبورهم، ولكنها قيامة حالّة في ما بيننا الآن.

القيامة الآن حاصلة في نفوسنا إن كنّا للمسيح. ولكن هذه القيامة لا تكون إلا إذا طبّقنا القواعد التي تحدّث عنها يسوع في الإنجيل الكريم اليوم. قال لنا: “من أراد أن يتبعني فليكفُر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني”.

هذه القيامة، قيامة الحياة، ازدهار الحياة، انبعاثنا من الألم ومن الخطيئة، سلامنا، فرحنا، هذه كلها تصير إن أردنا أن تصير: “مَن أراد أن يتبعني”. المسيح لا يُكره أحدا على الحياة ولا يُكره أحدا على الموت. ليس أحد مجبرًا على محبته، ولكن مَن أَحبّه يعيش ومن لا يحبّه يموت. ليس انه يموت موتا في الجسد، ولكنه ميت اليوم وهو يتحرّك. ولذلك ليس كل من رُزق الحياة حيًّا بالمعنى الصحيح.

من أراد أن يتبع المخلّص، أي من أراد أن تكون فيه حياة المسيح، حياة الله، من أراد أن يحصل على ازدهار الله، على أن يكون إلهيًّا في نفسه، في أخلاقه، في تصرّفاته، في فكره، من أراد أن يصبح مثل الله، حيًّا مثله، محييا مثله، سيّدًا، كريمًا مثله، أزليًّا مثله، من أراد ذلك، عليه أن يكفر بكل شيء وأن يكفر بالنهاية بنفسه.

هذه الحياة الكريمة، الطيّبة، السعيدة التي لنا مع الله تُعرقلها عراقيل كثيرة، تُعرقلها كل محبة باطلة، كل تعلّق فاسد. الانسان الذي عشق المال عشقًا، وغرق فيه غرقًا، هذا الانسان يصبح على صورة الشيء الذي يحبّه. فمن أحب الجسد يصبح جسدًا هو أيضًا، نتِنًا، مريضًا وفانيًا كالجسد. من أحب الله يصير على صورة الله، أي سيدًا، حرًا، أزليًا، خالقًا لوجوده، دائم الوجود.

هل نصبح مثل الله؟ هذا يفترض ألا نصبح مثل أشياء العالم ومثل الحيوانات التي في العالم. فإذ نترك حيوانيّتنا ونترك صنميتنا وتعبّدنا للجسد وتعبّدنا للدنيا وتعبّدنا للزعامات، نصبح أحرارًا أي نصلب تلك الأشياء التي كنا بها متعلّقين والتي كانت تُكبّلنا، ونصبح فقط أمام الله ونتطلّع إليه ويتطلّع هو إلينا، نتأمله، ونقتبس جماله ونصير كما يكون هو، أي يرتسم علينا نور وجهه. إذ ذاك من رآنا هكذا على هذه الأخلاق وهذا التصرف، ومن رآنا على هذه الروحانية، فكأنه رأى الله.

 

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share