بدأ ريمون (طالب بكليَّة الطِبّ) فترة الامتياز بمُستشفى الأمراض النفسيَة والعصبيَّة بالمعمورة، وفي أول يوم له بالمستشفى استقبله الطبيب المسؤول بترحابٍ شديد وبدأ يجول معه في أقسام المستشفى المُختلِفة ليُريه العنابِر وحجرات المرضى.
وصل معه الطبيب إلى حُجرة متوسطة الحجم ولكنها فارِغة تمامًا إلاّ مِن صنبور مياه صغير، فسأل ريمون بدهشة: ما هذه الحُجرة؟
ضحك الطبيب وقال: إنها أهمّ حُجرة في المُستشفى كلها.. فعندما نُريد التأكُد مِن حالة المريض العقلية وهل استجاب للشفاء أم لا، نُجري له الاختبار التالي:
نُدخله هذه الحُجرة، ونفتح الصنبور لتنحدِر المياه وتملأ الغرفة، ثم نُعطيه منشفةً ونطلُب منه أن يُجفِّف الحُجرة مِن الماء.
فإذا كان المريض قد شُفيَ وصار عقله سليمًا، فأول ما سيفعله هو إغلاق الصنبور، أمّا إذا كان مازال مُختلآً فسيترُك الصنبور مفتوحًا، وبالتالي سنضطر لاستضافته في المستشفى فترة أُخرى.
أُعجِب ريمون جدًا بالفكرة، فهي طريفة ومُبتكَرة وغير مُكلِفة بالمرة. وقاده التفكير في هذا الأمر إلى تأمُّل عميق في حياته الروحيَّة:
اخوتي الأحباء :كثيراً ما نتصرّف نحن مِثل هؤلاء المجانين، نُحاول التخلُّص مِن الخطية وتطهير قلوبنا مِن الأهواء والشهوات، دون إغلاق النوافذ التي تدخُل منها الخطيَّة …تجد احدهم يشتكي من كثرة أفكاره الشريرة و ينسي أنه ترك عينيه طول النهارتتطلع دون رقابة …و أخري تشكي من كثرة الادانة و تنسي أنها تلقي أذنها لكل أحد لتفتش عن أخبار الناس …ننسي اغلاق حواسنا من الخارج وبالتالي لن نستطيع تنظيف الداخل.. فكيف يُمكننا التخلُّص مِن الأفكار والأحلام الشريرة، وأعيننا مازالت تنظُر إلى العثرات وأذاننا لا تكُفّ عن سماع الشرّ..؟!
قول أباء :
إن الشهوة لا تغلبنا لأنها أقوى منا ؛ بل من أجل عجزنا وتراخينا .. لأنها لا تجسر أن تقاتلك إن لم تأذن لها إرادتك (القديس فيلوكسينوس)