أيها الأحبة:
عيدنا اليوم هو عيد الخلاص. وكلمة شعانين متأتيةٌ من كلمة هوشعنا “خلصنا” التي صدحت بها حناجر أطفال أورشليم في استقبالهم يشوع “أي المخلص”. وها نحن في هذا اليوم نجتمع مع أطفالنا لنستقبل السيد له المجد داخلاً إلى أورشليم ومبتدئاً مسيرة آلامه محبةً بالإنسان. نستقبله بشمعة صلاة وبدعاء أطفالٍ ونقول له:
هلم أيها الختن السماوي، واكتسح ظلمات هذا الدهر واملأ قناديل نفوسنا من زيت عزائك الإلهي.
هلم واغسل نفوسنا بناردين المرأة الخاطئة وبرياحين حاملات الطيب كي نقدر أن نكون في مصفهن المبارك مذيعين بشائر فرح قيامة الرب، وبقيامته، قيامة الإنسان إلى الدنيا بأسرها.
ما يأسرنا في هذا العيد أنه يخاطب فينا روح براءة الطفولة، وكأني بالمخلص يقول لكل واحدٍ منا:
هلم أيها الإنسان واطرح عن نفسك هموم الدنيا كي تستقبل السيد في أورشليم.
هلمّ وكن طفلاً بالروح وناج كفتية أورشليم ذاك الراكب على عفوٍ ابن أتان ليعتق الإنسان من ظلمة الموت.
هلم وضع عند قدميه، كما وضعت جموع الناس مستقبلةً إياه في أورشليم، أطمار وأثواب إنسانٍ عتيق.
هلم وعاين من أقام لعازر، عاينه بأعين الطفولة. عاينه بفرح مريم ومرتا وافتح له باب القلب. وخفف عن مسمعيك ضجيج هذه الدنيا كي تسمعه قائلاً: إن نيري هينٌ وحملي خفيف.
عندما رتبت كنيستنا المقدسة خدم أسبوع الآلام وضعت تذكار القيامة المقدس تتويجاً له وجعلت في إقامة لعازر فاتحةً له. كل ذلك يؤكد لنا أن محور هذه الفترة الليتورجية قياميٌ بامتياز. البارحة ذكرتنا بقيامة لعازر، عربوناً لقيامة كلٍّ منا وبعد أيام نقيم قداس القيامة المجيدة. وكل هذا يقول لنا أننا مجبولون بالقيامة ومحكومون بالرجاء.
في أواخر القرن التاسع عشر كتب المثلث الرحمة المطران أثناسيوس عطاالله، مطران حمص، الأبرشية الغالية على قلبنا بناسها الطيبين، وصفاً وشعراً في العيد الحاضر، وما كتبه أثناسيوس عطالله دخل إلينا وحفظناه ورددناه، وحفظه الفتى والشاب والشيخ في كنيسة أنطاكية:
افرحي يا بيت عنيا نحوك وافى الإله
من به الأموات تحيا كيف لا وهو الإله
دعوتنا اليوم أن نجعل من قلب كلٍّ من “بيت عنيا” وذلك رغم ما قد يحيطنا من مآسٍ وما ينتاب بلادنا من أهوال. دعوتنا اليوم أن نثق، كما كنا وكما سنبقى، بقدرة الله العلي القدير. وها نحن نطلق كلمات أثناسيوس عطاالله من جديد ونقول مضيفين:
افرحي يا بيت عنيا نحوك وافى الإله
من به الأموات تحيا كيف لا وهو الإله
قد أتيت يا رحومُ كخلاصٍ للأنام
نحن يا ربُّ نرومُ ذخر حبٍّ وسلام
أعطِ يا ربِّ سوريا إلف عيشٍ ووئام
واحم لبنان فتيّا آمناً صلب القوام
لك يارب البرايا نحن نجثو بخشوع
قوةً وسْط المنايا حُزْنا فيك يا يسوع
أعادها الله علينا أياماً مباركة ننعم فيها بنور سلامه.
عظة البطريرك يوحنا العاشر في الكنيسة المريمية في دمشق