ما بين البارّ واللصّ، اختار الشعب اللصّ. حين لجأ بيلاطس البنطيّ، الوالي الروماني على سورية وفلسطين، إلى “الديموقراطية” سائلاً الشعب اليهودي عمّن يريدون أن يطلق لهم واحداً من السجناء، لمناسبة العيد، أيسوع أم باراباس؟ اختاروا باراباس، “وكان باراباس لصّاً” (وفق إنجيل يوحنّا 18، 40)، وفي رواية أخرى “كان باراباس قد ألقي في السجن لإثارة فتنة في المدينة ولارتكابه جريمة قتل” (وفق إنجيل لوقا 23، 20).
ما بين البارّ والقاتل، اختار الشعب القاتل. واللافت أنّ “رؤساء الكهنة والشيوخ حرّضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس ويُهلكوا يسوع” (متّى 27، 20). تواطأ رجال الدين مع الحكّام والجبابرة لارتكاب الإثم. رجال الدين وعلماء الشريعة يتآمرون لقتل البريء، فيما اللصّ المصلوب إلى اليمين يعلن براءة يسوع: “نحن نلقى ما تستوجبه أعمالنا، أمّا هو فلم يرتكب سوءاً” (متّى 23، 41). رجال الدين يتآمرون على الصدّيق، فيما قائد المائة الروماني الوثني يشهد ليسوع قائلاً: “حقاً هذا الرجل كان بارّاً” (متّى 23، 47).
يستهجن القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو (+397) موقف الذين “طالبوا بقتل رجل بريء، والتمسوا إطلاق سبيل مجرم”، ويستغرب أن يكون “للشرّ قوانين كهذه تدين البريء وتعفو عن المذنب”. ما بين يسوع، ابن الله، وباراباس الذي يعني اسمه “ابن أبيه”، اختار الناس “ابن أبيه”، وفي التفسير تعني عبارة “ابن أبيه” الذين قيل عنهم: “أنتم من أب هو إبليس” (يوحنّا 8، 44). ما بين الله وإبليس، اختار الناس إبليس.
منذ فجر التاريخ، هذه الحال لم تتغيّر ولم تتبدّل. قبل الديموقراطية وبعدها، يفضّل الناس المجرمين على أنواعهم، يفضّلون أن يتولى أمرهم القتلة ومرتكبو المجازر واللصوص والفاسدون. ينتخبون مَن لوّث يديه بالدم، ومَن لوّث يديه بالمال… ثمّ تراهم يتذمّرون من استشراء الفساد وسوء أحوال معيشتهم وانحطاط مجتمعاتهم وبلدانهم.
نعم، رجال الدين فضّلوا اللصّ والقاتل على الصدّيق. حكموا على الإنسان البارّ بالصلب، وأطلقوا المجرم إلى الحريّة. تحالف رجال الدين ورجال الدنيا على الله وعلى مسيحه. فأهملوا أثقل ما في الشريعة، الرحمة، وراحوا يخدمون سلاطين هذا الزمان وجبابرته. وما زالوا، إلى اليوم، يهملون الدفاع عن الإنسان المقهور، ويتهافتون على خدمة السلطة القائمة.
اليوم، 23 نيسان، عيد القديس جاورجيوس (مار جرجس كما تدعوه العامّة). جاورجيوس، الذي كان ضابطاً في جيش الإمبراطورية الرومانية، رفض تقديم الذبائح للسلطة القائمة، آنذاك، فقضى شهيداً. لم يقاوم الشرّ بالشرّ، بل رضي بتجريده من السلاح، أي تجريده من السلطة. لم يسعَ لإيصال أحد إلى السلطة، ولا خدم أحداً في السلطة، ولم يسعَ إلى السلطة، وقد كان قادراً على أن يقوم بثورة، لأنّه أدرك أنّ السلطة قد تُفسد مَن يصل إليها. شاء ألاّ يكون قاتلاً ولا سفّاحاً ولا سارقاً… فتخلّى عن كلّ شيء، وحمل صليبه، صليب سيّده، ومشى منتصباً، رافع الرأس.
متى سيكفّ الشعب عن اختيار اللصّ والقاتل، فينتخب البارّ والصدّيق؟ وإذا لم يكن ثمّة مَن تلتصق به هذه الصفات، فلماذا يهتمّ رجال الدين بالمطالبة بما ليس من شأنهم؟ فليدَعوا الموتى يدفنون موتاهم، والمعني بالانتخاب فلينتخب مَن هو على صورته ومثاله.