الكنيسة تشفي

mjoa Friday May 9, 2014 119

نقرأ في إنجيل اليوم عن إنسان أصيب بمرض مزمن. والفترة التي قضاها في المرض قبل حصول الأعجوبة هي فترة ثمان وثلاثين، سنة وهي بالضبط الزمان الذي قضاه بنو إسرائيل في برية سيناء قبل ان يستطيعوا الوصول الى أرض الميعاد. وكأن الكتاب أراد ان يقول لنا بذلك أن يسوع هو أرض الميعاد، وان الانسان يتيه ويبقى في الحيرة وفي طلبات كثيرة الى ان يأتيه السيد.

 كان هذا الانسان وحده لأن واحدا من الناس لم يعطف عليه حتى يأتي ويلقيه في البركة. لم يكن له أصدقاء، ولعل أكبر مصيبة في الوجود ان يكون الانسان وحده في هذا العالم من دون عطف ولا حنوّ. اذ ذاك، يقول لنا الكتاب، يجيء المخلّص ويسأله: “أتريد ان تبرأ؟”. فأجاب الرجل: “ليس من يلقيني في البركة”.

طبعا كان بإمكان السيد ان يأخذه ويُلقيه في البركة. ولكن البركة كانت شيئا عتيقا، شيئا رتيبا اعتاده الناس وهي تخص العهد القديم. لم يُرد يسوع أن يبقى هذا الانسان مدينا لمراكز او لترتيبات بشرية، بل أراد ان يجعله يشعر بأنه الآن يصبح معافى، فلا عجز في ما بعد ولا انقطاع ولا جفاف. المخلّص نفسه يحبّه ويشفيه مستغنيا عن البركة وعن الملاك وعن العهد القديم وعن اليهود وعن ترتيبات الناس. يضمّه يسوع الى صدره ويقول له: اذهب، فرّ كالغزال، فرّ وامش فقد حان وقت الحياة. لا تفتش عن العتيق وعن العادات التي رتّبها اليهود وعن العادات التي رتّبها الملاك. انا الآن مخلّصك. انت حبيبي الآن ايها المخلّع المعدوم. وكانت الأعجوبة.

لكن يبدو أن هناك شرطا في هذه الحادثة: أتريد ان تبرأ؟ أتريد أن تشفى؟ فأنا لن أشفيك بالرغم منك. هذه قاعدة من قواعد الطب الحديث اذ يقول الاطباء ان رغبة المريض في ان يُشفى أمر اساسي. اذا كان المريض يريد الموت، لا يمكن للطبيب ان يشفيه.

أتريد ان تدخل الى الحياة من جديد؟ تعال، فها أنا مُعطيك الحياة. هذه الإرادة، إرادة الحياة الطيّبة، إرادة الحياة مع الله، يجب أن نعبّر عنها وان نقولها. اي ان الاشياء الفاسدة التي دخلت الينا لا بد لنا من أن نرميها جانبا. ينبغي أن نريد الطبيب الشافي، أن نحبّه، أن نثق به، أن نعود الى الله لأنه يأخذنا برحمته.

لاحظوا أن هذا المريض أَسلم ذاته الى الله بلا قيد ولا شرط. لم يقل للسيد مثلا: بعد أن اشفى ماذا تعطيني؟ أتجعلني تلميذا لك؟ لا لم يقل شيئا مثل هذا. قال: انا مريض. أنا عاجز. أنا أخطأت. ها أنذا كما أنا. خذني كما انا في عجزي، في مرضي، في شقائي، في خطيئتي. وانت يا يسوع قادر على مسح كل خطيئة. انت تستطيع أن تُكفكف الدموع وان ترفعني اليك والى نورك فأصبح انسانا سويا جديدا.

فيما نحن نكمل الفصح، يجدر بنا أن نعرف هذا، ويجدر بنا أن نفهم ايضا أن الكنيسة هي امتداد ليسوع في التاريخ البشري وبالتالي هي التي تشفي ولنا فيها موارد شفاء. الكنيسة تعرف امراض الناس وتعرف ما يحتاجون اليه ليتعافوا لأن الكنيسة أُمّنا ولأنها تُحبّنا. والأبناء يرتمون في أحضان الأُمّ باللطف وبالوداعة مثل مخلّع بركة بيت حسدا.

 

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share