تجليات دمشقية: أحد السامرية

mjoa Sunday May 18, 2014 177

الله بعدما كلّم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه..” (عبرانيين 1 : 1 – 2)
وكلام الابن نعرفه بالروح القدس، الذي يعطينا فهم تقليد الكنيسة المكتوب (الكتاب المقدس)، والشفهي ( شهادة حياة الكنيسة)
… نورد فيما يلي أسبوعياً قبساتٍ من تجليات الرب في رعاياه الدمشقية (في أبرشية دمشق)، تعكسها لنا شهاداتٌ وعظاتٌ لآبائنا خدام الكلمة، الكارزين بالقائم من الموت لأجل خلاص العالم

عظة هذا الأسبوع لقدس الأرشمندريت يوحنا التلي

أحد السامرية (يو5:4-42).
(أعطني لأشرب)

باسم الآب والابن والروح القدس. الإله الواحد. آمين.
إنجيل اليوم هو إنجيل المرأة السامرية، الذي يضعنا أمام صنارةٍ روحيةٍ يصطاد بها المسيح الاصطياد الحسن. كان يسوع المسيح متجهاً إلى السامرة، وفي الطريق بالقرب من بلدة اسمها (سوخار) حيث يوجد بها نبع ماء. صرف تلاميذه إلى السوق ليبتاعوا زوادة طعام، وبقي أمام البئر لوحده. فأتت امرأةٌ سامريةٌ ومعها جرتها لتملأها ماء، فقال لها يسوع: “أعطني من هذا الماء لأشرب. فقالت له المرأة كيف تطلب مني وأنت يهودي، واليهود لا يخالطون السامريين؟”. هذه المرأة تكلمت بمثاليةٍ دينيةٍ وكأنها لا تعرف الخطيئة في حياتها. إلا أن يسوع تجاوز هذا وقال لها: “يا امرأة لو تعلمين من الذي يحدثك لطلبت منه أنت أن يعطيك ماءً حياً، لأن الماء الذي أعطيه أنا إن شرب منه أحدٌ لا يعطش ثانية”، بالتأكيد لم تستوعب المرأة روحانية هذا الكلام، بل قالت ليسوع بحسب اللغة “أعطني يا سيد من هذا الماء حتى لا أعطش، ولا آتي ثانيةً وآخذ من هنا هذا الماء”.


هذا الكلام يفيدنا لنقيم الحوار مع يسوع، ونُصغي لما سيقدمه لنا بكلامه. هو يقدم لنا الكثير، ونحن تغيب عنا معطيات لغته أحياناً، لأننا نبقى جامدين مع بشريتنا الضعيفة، التي يصعب فيها أن نرتفع إلى علو هذه الكلمات، التي أكملها باقي هذا الحوار.

أما يسوع وإذ أراد لها أن تشرب من هذا الماء قال لها اذهبي وادعي رجلك إلى هنا لأعطيك الكلام الذي أنت تنتظرينه، فقالت له لا رجل لي. فقال لها كنت متزوجةً خمسة رجالٍ واحداً تلو الآخر وماتوا، والآن رجلك الذي في البيت ليس برجلك فأنت تقولين الحق، فتعجبت من كلامه مدركةً أنها تقف الآن أمام نبيٍ فسألته بجرأةٍ أنتم اليهود تقولون بأن مكان العبادة هو في الهيكل في أورشليم، ونحن نقول بأن العبادة هي هنا في هذا الجبل الذي سجد فيه آباؤنا. فما هو الصحيح؟ بماذا يجيب يسوع يا ترى امرأةً تدخل في عمق اللاهوت، في العقيدة الدينية، وبذات الوقت بمثل هذه البساطة؟ هل بإمكانه أن يقول لها إن العبادة الحقة هي في أورشليم؟ إن قال هذا لتركته ومضت ولم ترضَ بكلامه. وإن سايرها وقال لها، بل هو هنا. لكن هذا غير صحيح؟ إلا أن يسوع انتقل بها إلى المستوى الروحي. الذي يعلو فوق الأماكن والقوميات والمذاهب والشيع، فقال لها: “تأتي ساعةٌ وهي الآن حاضرةٌ حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق لأن الآب طالبٌ مثل هؤلاء الساجدين له. الله روحٌ والذين يسجدون له بالروح والحق ينبغي أن يسجدوا”.

عالم الملكوت لا يُقيَّد بمكان. عالم الملكوت هو عالم الروح، عالم الأنفس النظيفة والقلوب النقية. إلى هناك قادها يسوع، فشعرت بشيءٍ من معطيات كلامه، لأن هذا الكلام ليس بكلامٍ عادي. قالت له: “قالت له المرأة قد علِمتُ إنَّ مَسِيَّا الذي يُقالُ له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك فهو يُخْبِرُنا بكلِّ شيءٍ” فقال لها: “أنا الذي أكلمك هو”.

“وعند ذلك جاء تلاميذه وكانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة”. فتركت المرأة الجرة في مكانها وذهبت إلى بلدتها (سوخار) لتخبر أهل البلدة بما سمعت وبما رأت. وقالت لهم قابلت من قال لي كل ما فعلت. أي كلَّ شيءٍ حدث في حياتي. تعجب جمهور (سوخار) وأتوا إلى المسيح ودعوه إلى بلدتهم، وهنالك سمعوا منه الشيء الكثير. لقد آمنوا بادئ ذي بدء من خلال كلام تلك المرأة، ولكنهم بعد يومين وصلوا إلى إيمانٍ مُعلنٍ لهم من خلال كلماته، فعبّروا عن ذلك بقولهم: “الآن نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلّص العالم”.

من خلال هذا الحوار علينا أن نجلس كلَّ يومٍ عند بئر ماء الحياة بالقرب من يسوع في صلواتنا وتأملاتنا، عسى أن يقدم لنا يسوع ما هو مفيدٌ لخلاص أنفسنا، فنحصل على ما حصلت عليه تلك المرأة التي انتقلت حياتها من إنسانةٍ زانيةٍ إلى إنسانةٍ قديسة. لقد فعلت التوبة في حياتها فتغيرت وتبدلت، وصارت بمثابة تلميذةٍ للمسيح. والكنيسة تدعوها المستنيرة (فوتيني)، وهذا هو اسمها الذي نعرفها به، ونحن نطلقه على أي إنسانةٍ مثل هذه قد تغيرت. أن هذا يعطينا التأكيد بأن الخطايا مهما بلغت من الكثرة فإن التوبة إلى يسوع تزيلها، وتجعل قلوبنا مكاناً نظيفاً للقداسة، حيث يمكن أن يقيم بها يسوع. آمل أن يتحقق هذا لنا في كلِّ وقت.

ونعمته فلتصحبكم الآن ودائماً. آمين.  

الأرشمندريت يوحنا التلي، رئيس ديري القديس جاورجيوس والشيروبيم في صيدنايا

 

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share