في أحد الآباء المجتمعين في المجمع المسكونيّ الأول في مدينة نيقية سنة 325، أرادت الكنيسة أن تحدّثنا عن وحدة الآب والابن والروح القدس استعدادا للعنصرة المقدسة التي فيها ينحدر علينا الروح الإلهي.
عندما يقول الناس ان الله واحد يظنّون أن هذا يعني انه ليس اثنين او ثلاثة او أربعة او عشرة، اي انهم يعدّون الله. ولكن الله لا يُعَدّ. وبهذا المعنى لا يجوز ان يقال انه واحد. مَن عدّه فقد حَدّه. الله ليس واحدًا بمعنى العدد كما نقول ان هذا الكتاب واحد مثلا. الله ليس مثله شيء وليس مثله عدد.
نرى من خلال النص الإنجيلي الذي يُتلى اليوم أن الآب أعطى كل شيء للابن. من هنا ننطلق. نحن لا نتكلم قبل كل شيء عن وحدانية الله ولكن نتكلم عن الآب. هذا هو البدء. هذا هو الألف. الآب سكب كل شيء في الابن، وبهذا المعنى هو واحد مع الابن. الله واحد لأن كل حياة الآب قد وضعها في ابنه الحبيب، في الكلمة الإلهي الذي صدر منه منذ الأزل. هما واحد لأن حياة هذا هي حياة ذاك، لأن الحب الذي في هذا هو في ذاك. “كل شيء لي هو لك، وكل شيء لك هو لي”. وكذلك نقول عن الروح القدس ان كل ما في الآب هو للروح القدس وبالروح القدس. الوحدة التي في الله هي وحدة الحب. الله واحد لأنه محبة مسكوبة من الآب الى الابن والى الروح. هذه المحبة التي في الآب تجعله دائما متّجها الى الابن، والمحبة التي في الابن تجعله دائما متجها الى الآب. الآب يتحرّك الى الابن، والابن يتحرك الى الآب. هنالك حركة دائمة في الله، وهذه هي وحدانيته.
والآب أَرسل ابنه الوحيد الذي كان فيه أبديا لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. وضع الله كل شيء في ناسوت الابن، كل حقيقة، كل طهارة، كل جلال. حلّ ملء اللاهوت جسديا في الابن، وكان الله واحدا مع المسيح في الارض. هذه وحدانية الله في انه جعل كل ذاته في المسيح المتجسد في العالم.
والروح القدس، ما دوره في هذا؟ الروح القدس هو الذي يوزّع عطايا المسيح بعد ان صعد الى السماء. هو الذي يسكب النعمة ويوحّد. هو الذي يردّ المؤمنين جميعا الى الله أبيهم بالصلاة اذ ان “الروح يشفع فينا بأنّات لا توصف”.
إذًا ان الوحدة نزلت من الآب الى الابن ومن الابن الى الكنيسة، وعادت من الكنيسة الى الآب بواسطة الابن المائت من أجلنا والقائم والظافر والصاعد الى السموات. وحدة تتنازل من فوق الى الأرض لتنعكس من الأرض الى السموات.
وكيف تكون الوحدة بين المؤمنين، بين الانسان والانسان؟ ان الله واحد ليس ليبقى كذلك بل لكي يعطي وحدانية للناس. الله موجود لكي يُعرف لا لكي يتمتع بصفاته. الوحدة بين البشر هي أن يعطي الانسان الله للانسان. هذا هو السر الأعظم في حياتنا. الانسان لا يستطيع أن يعطي عطاء أكبر من أن يعطي الله الذي فيه. واذا لم يكن الله فينا، فلسنا نعطي شيئا. نبقى منغلقين على أنفسنا، متحجّرين، الى أن نعطى الله بواسطة المحبة ونعطيه للآخرين عن طريق التواضع. الله يمتدّ بواسطتنا للبشر، وهو يعود الينا من البشر. وعندما يعود الينا يمدّنا بذاته وينقلنا الى مجده. هذه هي وحدانية الله في ذاته، في أقانيمه، في الكنيسة وفي العالم.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)