أن نذوق الله – المطران جورج (خضر)

mjoa Saturday June 7, 2014 161

غدًا العنصرة عند المسيحيين وهي ذكرى لحلول الروح الإلهي على التلاميذ الاثني عشر. معنى هذا الكلام بلغة قريبة من الوضوح ان المسيح من بعد انتقاله عن هذه الدنيا أراد ان يجعل لنفسه حضورًا فيها بذكر كلمته (الإنجيل) وبث روحه (بالقداسة والرعاية). لنا ان نعتبر ان الرب من بعد قيامته أمسى في الناس حقيقة فاعلة، تحمل إليهم إنجيلاً وقداسة أي نصا وحركة للنص.

 

 

C8-N11

المسيحية واضحة بأن فيها شيئين: حقيقة دفعها المسيح إلى الناس مرة واحدة وتفعيلا لهذه الحقيقة بالتفسير والعقائد من جهة والقداسة من جهة. بتعبير آخر هناك الثابت وهو الإنجيل وهناك المتحرك أي فهم هذا الإنجيل ونقله بالتراث والعبادات والرعاية. في تبسيط كلي لنقل ان المسيحية كلمة الله التي نزلت في عبادات ولاهوت وعمل ويعسر التفريق بين هذه العناصر المتداخلة.
فرادة المسيحية انها ليست مجرد كتاب. انها بآن معًا هذا الكتاب وفهمه والفهم هو التراث الحي الذي يذوقه المسيحيون ويعيشونه. أنت في حاجة إلى كتاب يحفظك وإلى تفهم الأجيال لهذا الكتاب. فالكتاب يحميك من جهة ولكنك أنت تدعمه ان فهمته وتظهره حياً.
معنى العنصرة أو حلول الروح القدس على الكنيسة ان المسيحية ليست نصا جامدا وانها تحيا بمن يحييها في نفسه فتظهر به وليس فقط بكلمات مكتوبة. المهم ان تصبح كلمات مقولة وبشرا يحيون بها. وأهمية النص انه يحفظك من فكر شارد ومن انحراف ممكن. كان من الممكن ان يفعل الله في كنيسته بالروح والإلهام فقط ولكنه آثر ان يحفظ الروح بالنص. بنا للرب ان هذا أضمن لدوام حقيقته.
أتى الإنجيل كتابًا مكتوبًا بعد ان عاشت الكنيسة حوالى ستين سنة ظهرت فيها الأناجيل تبعا لمؤلفيها بحيث ان المضمون الإنجيلي استغرق حوالى ستين سنة ليكتب كله أي ان الكنيسة عاشت فترة أولى على التراث الشفهي وليس من إنجيل مدوّن. تغذوا من الكلام الحي الذي تناقله الأسلاف. لم تبدأ ديانتنا من نص قانوني مفروض. اصطلحت الكنيسة في تعاقب أجيالها الأولى على ان لها مجموعة نصوص اعتبرت انها العهد الجديد. هكذا تكونت ديانة الروح.
ماذا يقول لنا هذا العيد؟ يقول شيئين ان المسيح تكلم في ما دونه الأوائل أناجيل وان المسيح اياه نقل نفسه إلينا بالروح القدس في الكنيسة. عندنا الثابت وهو النص وعندنا المتحرك وهو إحياء النص في نفوسنا بالإيمان. اذا اعتبرنا، للتبسيط، ان السيد تكلم بالأناجيل أي في نص ثابت لنا أيضًا ان نؤمن ان المسيح هذا يحرك قلوبنا بالروح القدس الذي يرسله إليها بالإلهام الشخصي وتفسير الآباء ونصوص العبادات الطقسية.
يؤكد العيد على اننا ورثة الإيمان القديم الثابت واننا نحيي هذا الإيمان فينا بالتقوى والطهارة والخدمة. بكلام آخر يقول ان الحقيقة قديمة وقد جاءت بالمسيح ولكن لنا ان نحياها ونغذي الناس بها.
يؤكد العيد أيضًا ان هذا الإيمان القديم علينا ان نذوقه ونحياه في قلوبنا وان ننقله إلـى الأجيال لكي تعيش به. العيد ينقل حقيقة إلهية قديمة إلى النفوس ليصبح حيا فيها ويحييها. العيد يجعلنا بشرًا جددًا، ذائقين الله.

 

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share