قد يبدو غريباً الكلام عن الروح في زمن المادة واستفحالها، قد يبدو مستغرباً الحديث عن الروح القدس وسط الكم الهائل من الأرواح الغريبة المتنافرة التي تجعل الإنسان في دوامة لا مستقر فيها.
الأمر الأهم والأعظم ألا يقتصر الموضوع على الكلام بل أن يدخل الروح القدس بجوهره الذي لا يدرك فيحيي ويحرك ما يبدو جامداً ومائتاً، إنه الروح الذي انسكب هذا اليوم على التلاميذ وعلى الكنيسة العاقرة فطهرها وعمدها وأيقظها من سبات طويل لتكون حاضرة فاعلة محقة غنية بالنعمة وموزعة للمواهب، إنه الصانع ملائكته أرواحاً وخدامه كالنار تلتهب مع هذه الروح لايوجد جمود أو ضياع أو تخبط بل حركة واهتداء واستنارة.
فلقد تخبط الناس في بابل قديماً عندما سادتهم روح غريبة مدمرة، روح الكبرياء والأنانية فتقاتلوا وتفرقوا وتوزعوا إلى مجموعات وفئات متنافرة لكن الروح القدس اليوم يوحد المختلفين ويؤلف المتفرقين إلى كنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية.
إنه الروح الذي قاد شعب الله بعمود من سحاب نهاراً وعمود من نار ليلاً، وهو الذي علم الالكن اللسان عند دخوله الغمام الالهي الشريعة والإيمان، وهو نفسه الذي حول نار الأتون عند اقتباله الفتية الثلاثة الأبرار إلى ندى وبرد وسلام. وهو اليوم بانحداره بشكل ألسنة نارية يحول الرسل الأطهار إلى ناطقين بالالهيات، إنه الروح القدس الصادر من الآب والمرسل بالابن على المؤمنين، روح البر والتقوى والإيمان والنعمة والطهارة والقداسة، فهو نور وحياة وينبوع حي عقلي روح حكمة وفهم صالح مستقيم مطهر فاعل متكلم ومقسم للمواهب به يحيا المؤمن حياة الروح ينتقل به المؤمن من الحياة بحسب الجسد إلى الحياة بحسب الروح يصبح انساناً جديداً نظيفاً متطهراً ذا قلب لحمي جديد وفكر صالح ونية مستقيمة وروح شفافة ينطق بكلام جديد ويفكر بمنطق الروح ويتصرف بأفعال النعمة وينمو في القداسة متاجراً بالموهبة والوزنات وساعياً في طريق السلام والبذل والتضحية يحمل روح التعزية والحق، كنز الصالحات ورازق الحياة الذي نسأله أن يأتي الينا ويسكن فينا وأن يطهرنا من كل خطيئة وأن يخلص نفوسنا.
وعظة لسيادة الأسقف نيقولا بعلبكي
أحد العنصرة 2014