كلمة غبطة البطريرك يوحنا العاشر
في حفل وضع حجر الأساس
لمركز جامعة البلمند الطبّي
البلمند، 26 حزيران 2014
أحبائي،
نجتمع هذه الأمسية لنعلن قيام “مركز جامعة البلمند الطبيّ” في دير سيدة البلمند البطريركي. نعلن قيام هذا المركز امتداداً طبيعيّاً لجامعة البلمند يسدّ حاجاتها في التعليم الطبيّ، ويوّسع مجال خدماتها لهذه المنطقة العزيزة علينا. وإذا كانت الجامعة تُعنى بالأساس بصقل العقل وتقوية طاقاته، فالمستشفى هي أيضاً تُعنى بالأساس بالإنسان كجسد. ولكن بما أن الجسد والروح يندمجان كليّاً في الإنسان، فكلا المؤسستين تُعنيا بشؤون الإنسان وبشجونه، الفكريّة منها والصحيّة، لتأمين العيش الكريم له.
لقد عالج العلماء منذ القدم العلائق بين الجسد والروح، وشدد المؤمنون وبعض الفلاسفة الكبار على إثبات أهميّة الروح في الكون، وتطوّرَ الفكرُ ليجمعَ بالحكمة مسيرة التوفيق ما بين ما هو أعلى وما هو أدنى لتكون العبارة “كما في السماء كذلك على الأرض”. فالتطوّر يعني بالنسبة لنا روحنة المادّة وإعطاءها حياةً وهدفاً.
لقد أسسنا جامعة تحت الوهج الإلهي، ونؤسس اليوم مستشفى تابعة لها تحت الوهج الإلهي، مستشفى تُقدِّر الإنسان كروح وكحفنة من ألوهيّة، وتتعاطى معه على هذا الأساس، كهدف بذاته، كإنسان على صورة الخالق عزَّ وجَلّ.
إن العلوم، وعلى رأسها العلومُ الطبية ، والهادفةُ إلى المحافظة على أفضلِ قدرةٍ للجسد للاستمرار في الحياة، لا بد لها من وِصالٍ مع النفس من خلال الحقيقة الإلهية من جهة، وعالمِ الأرض من جهة أخرى. كونَ الخليقةِ الإنسانيةِ، جسداً ونفساً وروحاً، أعظمَ تركيبٍ منسجم لخلايا تمايزت في وظائفها، وتكاملت في إنتاج انسجامِ الحركة والتفكير والحس. هذا هو الكائنَ الإنسان الذي هو على صورة الخالق في المحبة، ومثالُهُ في الخُلُق وصونِ العالم المادي، تلك الوديعةِ التي سلّطه الله عليها، ليحفظَها ويطوّرَ الخير المغروسَ فيها، فيستنبطُ الكمالَ الأسمى، والجمالَ الفيّاض، والأخلاقَ الفضلى، والفكرَ الخيّر الصالح الخادم، الذي هو بالبعدِ الأقصى الغايةُ من النورانية والنقاوة والقدسية.
من هذه الرؤية وُلدت جامعتُنا بالعمل الدؤوب، والمحبة الصادقة، ساعيةً إلى تحقيق هدفها، وواصلتِ الجامعةُ حلاوتَها فتجلّت، وعَلَت وجهَها بسمةُ الفرح بالعمل، والبهجةُ بالإنجاز المتميّز.
وفي هذا الإطار يأتي وضع حجر الأساس اليوم من قِبَلِنا لِـ ” مركز جامعة البلمند الطبي”، تحت ذراعي سيدة البلمند، حامية مؤسستنا على هذه التّلة المشرقة. وكل هذا لأن جامعتنا، المولودة من أحشاء كنيسة أنطاكية الأرثوذكسية، تضع نصب عينيها هدفاً سامياً، أن تكونَ لُبنةً صالحةً في بناء مجتمعِ العلم والتقدم وبناء الإنسان الحضاري الصالح، وأن تُسهمَ في ترسيخ العيشِ المشتركِ، ورفعِ المستوى الحياتيِّ والمعاشي لجميع أبناءِ الوطن، ملتزمةً بالمبادئ الوطنية، لأننا نعتقدُ أن التعليم، بحكم أهدافه وطبيعةِ مهامّه، لا يمكنُ إلاّ أن يلازمَ التطورَ وأزماتِ المجتمع، فهو يستهدف المستقبلَ ومدعوٌّ أن يُعدَّ الأفرادَ للحياة في مجتمعٍ معرّضٍ دوماً لأن يصبحَ في ذاكرةِ الماضي، ولا يمكنُه إلاّ أن ينمّيَ مبادئَ السلامِ والتفاهمِ وتعزيزِ احترام الكرامة الإنسانيةِ وحقوقِ الإنسان.
وإنّي أنتهز هذه المناسبة لأشكر لكم مساهمتكم معنا في هذا الحدث الهام من تطوّر مؤسساتنا العلميّة والطبيّة على هذه التلّة المقدّسة، ولأشكر كل القيّمين على هذا المشروع الطبّي الكبير، والذين عملوا طويلاً لتجسيد أحلامهم بمستشفى هو على أعلى المستويات الطبيّة في العالم خدمة لشعبنا الطيّب ولهذه المنطقة التي تستحقّ الأفضل وفي كل شيء.