قوة الإيمان – المطران جورج (خضر)

mjoa Thursday July 3, 2014 117

لنا في قراءة اليوم تعزية كبيرة. يأتينا الإنجيل بأعجوبة ككل عجائب السيد، ولكن فيها شيء فريد أن طالب الشفاء ضابط رومانيّ وثنيّ ابنه مفلوج معذّب ولعلّ ارواحا شريرة تعذّبه. هذا سمع عن يسوع وقال له: “قل كلمة واحدة فيبرأ فتاي”. ثم أضاف: انا انسان إذا قُلت أُطاع. أقول لهذا الجندي اذهب فيذهب، ولذاك تعال فيأتي. وكأنه يقول ليسوع انت قادر بكلمة واحدة ان تأمر فيبرأ ابني. انا أثق بك.

 تعجب السيد من أن إيمان هذا الوثني كان أعظم من كل إيمان شهده بين اليهود. كان لهم إله، إله واحد، لكنهم لم يؤمنوا كما آمن هذا الرجل الذي لم يكن له إله واحد.

mt.gk4

شُفي الولد لأن أباه آمن. ماذا تعني هذه العبارة: انسان يؤمن؟ لا تعني فقط أننا نصدق بأن لهذا العالم خالقًا ومدبرًا. هذه أشياء يقول بها كل الناس. كل انسان إذا فكّر جيدا لا بد له أن يقول في نفسه: لهذا العالم خالق، هذا العالم لا يمكن ان ينشئ نفسه بنفسه، الأشياء لا تأتي بالصدفة. ثم لا بد له ان يقول ان لهذا العالم مهندسًا، مرتبًا، وله حركة وله مصير، ولا بد من ان يكون هناك كائن عاقل عظيم يُشرف على هذه الدنيا. هذا تصديق، او هذه فلسفة. ولكن الإيمان أبعد من هذا وأقوى. الإيمان أن تدرك، أن تثق، أن تحس بأن كل ما فيك من خير وجمال، وأن كل ما في الانسانية من خير وحق يأتي من الله. أن تدرك بأن الله مصدر كل الخيرات، ليس فقط خيرات الأرض الزراعية، ولكن بالدرجة الأولى ان يكون الله مصدر الخير الروحي الذي في النفس. فإذا كنت انت محبا ومتواضعا ووديعا ولطيفا، الإيمان ان تعرف ان الله مصدر هذه كلها، اي أن لا تنسبها لنفسك ولجهدك ولكن أن تنسبها الى الله.

ثم الإيمان يعني ان تفتش عن سعادتك بالإيمان، لا أن تفتش عن سعادتك بمال يأتي ويذهب، او بصحة تأتي وتذهب. إن كنتَ مؤمنا، فالله ساكن فيك أأكلت أَم رفضت الطعام، أسلمت أَم مرضت. الله فيك وانت مريض، والله معك وانت مريض. لذلك لا معنى لهذا القول الشعبي: “ماذا فعل هذا الانسان لربه حتى أخذ ابنه او زوجته؟”. هذا القول يعني اننا ننتظر من الله الخيرات المحسوسة الجسدية فقط. لله حكمته عندما يأخذ الناس او يستبقي الناس لأنه أعرف بأولاده وأشد غيرة عليهم من ذويهم.

أن تؤمن هو ان تسلّم لله كل شيء، وان تسلّم بكل ما يحصل لك على انه حكمة الله. حكمته معروفة عنده وغير مكشوفة لك. الله تكلّم بالإنجيل، وانت تسير بموجب الإنجيل. أن تؤمن يعني اذن أن تطيع. نحن لا نقول بأن الأشياء تأتي صدفة. لا. نحن نقول ان كل ما يتم في هذه الدنيا، وفيّ، وفي بيتي، انما يتم بتوجيه من الرب وإرادة منه ومحبة. الله يفتقد بالمصيبة كما يفتقد بالخيرات.

أن أؤمن يعني ان أرى الله اذا انا ازدهرت ونمَوت، وأن أراه اذا انا خسرت، واذا انا حُرمت، واذا انا أُدبت، واذا مات واحد من أهلي او من أعزائي. انا أبدأ بالله، ثم تأتي الأشياء وأراها من خلاله. لا أقول: مات انسان في عائلتي فالله غير موجود. لا. الله ليس قائما لتبقى أنت معززا حسب مقاييس هذه الدنيا. الله قائم ومحب ولطيف. انت تعرف ذلك لأن يسوع كشف لك ذلك على الصليب وبتعاليمه وعجائبه ومحبته. الله محب. ومهما تقلّبت احوالك يبقى محبا.

أن تؤمن يعني أن تجعل الله مأمنا. فإذا أنت تقلبت وخسرت ومرضت وجُرحت، يبقى الله هذا الحصن. انت محصّن في كل حال لأن الله صخرتك وعلى هذه الصخرة يُبنى المؤمنون الذين يحبّون الله، على صخرة هذا الحب. نحن مخلّصون في كل حال، في الصحة كما في المرض، في الحرب كما في السلم، نحن مخلّصون لأننا نؤمن بإله يحب.

وان ارتكبنا خطيئة تلو الخطيئة، فلا بد لقلبنا أن يقسو ولمشاعرنا أن تجف، ونبقى بلا حنان ولا رضى، لا إله لنا ولا قريب، ليس من نحبه. لهذا لا بد لنا ان نقضي على الخيانة، على الكفر، على النقص، على الانجراف للنقص. واذا جعلنا قلوبنا مثل قلب الله في الثقة والحب والحنان، فهي قادرة أن تسلم لأن الله يستقر في قلوب محبّيه. اذ ذاك تنقلب الدنيا وتكون أحوال جديدة، وتدور الدنيا ويذهب الناس ويموتون وتضمحل وجوه وتأتي وجوه، ولكن يبقى وجه الله.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

رعيتي 6 تموز 2014

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share