مائدة من السماء – المطران جورج (خضر)

mjoa Friday August 1, 2014 197

الحديث في إنجيل اليوم عن أعجوبة إكثار الخبز في البرية. إنه إنجيل الحياة كلها لأن الحياة ناس يأكلون او ناس لا يأكلون. وما حدثنا عنه السيد هو ان يأتي بخبز من ناس ويُعطى لكل الناس. خمسة أرغفة وسمكتان أطعمت جموعًا كثيرة وذلك ببركة المسيح لأنه “شكر وبارك وكسر وأعطى”. وهذه الكلمات الأربع هي التي استُعملت فيما بعد في العشاء السري. وكان الرب يقول ان ما جرى في البرية إنما كان صورة عن أكلة أعظم وهي ان نأكل ابن الانسان.
كيف يؤكل ابن الانسان؟ ما معنى هذا؟ “كلامي مأكل حق”، هكذا قال في إنجيل يوحنا. “الكلام الذي أكلمكم به هو روح للحياة وجسدي هذا الذي سوف يعلّق على الخشبة هو أيضًـا يؤكل” ومعنى هذا ان الانسان انما يغتذي من الحب الذي سكبه المسيح على الصليب ومن الصليب على الكون.

الله يؤكل لأننا نحوله إلى ذواتنا، أو بالحري ان الله هو الذي يأكلنا عندما نتناول جسد ابن الانسان ودمه ونحسب اننا نتناول هذا السر. بالحقيقة الله هو الذي يتناولنا بمعنى انه يأخذنا اليه ويحولنا اليه ويمتصنا. بين الله والانسان هذه العلاقة السرية الغامضة، ولكنها حقيقية، وهي ان الله ينسكب في الانسان والانسان في الله. هذه هي المسيحية. وان ظننا ان الله بعيد وقابع في سماء السماوات وانه يرسل الينا حينا بعد حين كلمات لكي نستدل بها على سيرنا هنا، فهذا ليس بالمسيحية، هذه هي اليهودية. الله ليس بكلمات وليس كتابا ولا يُحسب في آيات. ولكن الله يعطي، يقذف في القلب، ويسكن في الروح، وهو الينا ونحن اليه.ma2ida mina elsama2
وإذا كان الأمر بيننا وبين الله هكذا، نتيجة ذلك ان الانسان محب للإنسان إذا أراد ان يعطيه الله. ما هي شهوة الانسان بالنهاية، أهي شهوة طعام وشراب ونسل، أم ماذا؟ الانسان يُؤاكل الانسانَ على مائدة واحدة، القصد ان يكون مع الانسان الآخر ليأكلا معًا. البشرية لا تكتفي بالخبز ولكنها تريد ان تأكل الخبز مع الصديق والحبيب، مع الوالد والوالدة والابن والزوجة. نأكل معا، نغتذي معا لأننا اتخذنا الأكل رمزا للمحبة، للشركة. من أجل هذا عندما أراد المسيح ان يدل على محبته لنا وعلى محبتنا بعضنا لبعض جاء بأكلة وقال: كلوا معا واشربوا معا لأنكم ان أكلتم معا وشربتم معا تعرفون ان هذه هي أكلتي وان هذا هو شرابي واني أنا آكل معكم وإنكم أنتم تأكلون بعضكم مع بعض.
القضية ان نكون معا في أكلة واحدة لأننا معا في مسيرة واحدة. وإذا أكلنا معا في الخدمة الإلهية الخبز السماوي فنتيجة ذلك ان نذهب إلى المدينة لكي نأكل مع الناس. لا تنتهي القضية بأن نأكل معا قربانا. هذه بداية الأشياء. واما نهاية الأشياء فأن نأكل الكون معا، كل ما في الكون. لا يجوز ان يأكل انسان وان يجوع انسان لأننا بذلك نكون غير مؤمنين بالقرابين المقدسة. من يأكلون معا في الكنيسة هم معا في الدنيا على مواعيدهم لأن الكنيسة لا تنغلق. الكنيسة تنفتح، تمتد إلى الكون، إلى الحياة الاجتماعية، إلى كل جائع وكل فقير.
نحن في الكنيسة مع المصلوب، مع فقراء الناس، مع ضعاف الناس، مع الأميين، مع الذين ليس عندهم جمال وكلام حكمة. تأملوا في حاجات الناس، وإذا أعطيتموهم يسوع فقد نالوا كل شيء، ونلتم أنتم كل شيء. لذلك علينا ان نواظب على أعمال الرحمة لكي نبقى من أبناء الرحمة. وفيما تتدهور القيَم وأخلاق الكثيرين نرجو ان يبقينا الله أمناء على الإنجيل، ثابتين في فضائله نتابع مسيرة المحبة التي أظهرها يسوع لنا مائدة من السماء نجالسه اليها أبناء لله وإخوة بعضنا لبعض.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)

رعيتي العدد 31

3 آب 2014

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share