تجليات دمشقية – الشماس ملاتيوس شطاحي

mjoa Monday August 11, 2014 345

متى (14: 22- 34 )

“تشجعوا! أنا هو… لا تخافوا” (متى 14: 27)
بهذه الكلمات التي نطق بها ربنا يسوع المسيح يطالعنا اليوم الإنجيلي متى في روايته لحادثة العاصفة التي ضربت المركب الذي كان يحمل تلاميذ الرب، فنراها، أي هذه الكلمات، تخاطب كل مؤمن مضطربٍ في عاصف الحياة. فالتلاميذ، الذين لم يكونوا قد نموا بعد في ملء قامة المسيح، عاينوا قدرة الابن في أعجوبة إطعام الخمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين قبل صعودهم إلى السفينة، لكن ورغم ذلك عندما رأوه ماشياً على المياه وآتٍ نحوهم اضطربوا وشكوا قائلين “إنه خيال”… فرغم معاينتنا لعمل الله في حياتنا كل يوم وفي كل لحظة، يبقى الشك قابعاً في أعماقنا، فنأبى إلا أن “نجرِّب” الله، لا كي ننموا في ملء قامته فيحيا فينا، بل لنعطي الفسحة لضعفنا البشري كي يحتكر الله، كل واحدٍ منا لذاته، فنقتنع، لا بالإيمان، بل بالعمل الملموس أن الرب حاضر معنا وفيما بيننا.

storm-icon-largeلكن الله الكلي المحبة، ورغم كل شكوكنا تجاهه، لا يغضب ولا يحزن، وإنما لسان حاله “تعال وانظر!”. لهذا السبب فإن بطرس، الذي كان يحبو بعد في النعمة، عندما أراد أن “يختبر” الرب قال له:«يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْني أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ»، إذ ذاك ارتضى الإله أن يجاري شكوكه فسمح له أن يمشي على المياه… كل ذلك لم يكن كافياً لبطرس، ومن خلاله نحن، كي يضع ثقته على الله وقدرته. فما إن أشاح ناظريه عن الرب ورأى المياه الهائجة من حوله، حتى بدأ يغرق. وهذه هي حالنا جميعنا، نضع أنفسنا في خانة المؤمنين، لكن ما إن تشتد الاضطرابات من حولنا حتى نشيح تركيزنا عن الله ونصب جام اهتمامنا على المشكلة، وننسى أن الله قادر على انتشالنا من أعماق المعاناة. أما عملنا وجهدنا كي نعالج مشكلاتنا بمفهومنا البشري، فيبقى قاصراً أمام قدرة الله اللامحدودة. فبالحري بنا أمام هذه العواصف أن نبقي تركيزنا على الرب، فلا ندع هموم العالم وحروبه تسلبنا سلامه، ذاك السلام الذي وعدنا هو ذاته أن “لا يُنزع منكم” شرط أن يبقى هو في قلبنا في خضم التجارب، لا أن نضعه جانباً فتتملكنا التجربة عوضاً عنه.
قديسنا الأنطاكي الذهبي الفم يصف لنا عمل الرب مع تلاميذه في هذه الحادثة، ومن خلالهم معنا نحن فيقول: “إن الرب لم ينزع الظلمة عن تلاميذه ولا أعلن ذاته لهم في الحال، بل كان دائمًا يدرّبهم على احتمال هذه المخاوف ويعلّمهم أن يكونوا مستعدّين للألم… لم يُعلن المسيح نفسه قبل أن يصرخوا إليه حتى عندما يزداد رعبهم يزداد ترحيبهم بقدومه إليهم”.
من هنا نرى أهمية أن نصلي للرب في أوقات التجارب ونطلب، لا أن ينزع عنا التجربة، بل أن يعطينا القوة على احتمالها فلا ننكره بل نشهد لاسمه القدوس في كل حين وفي كل مكان، ولا ننسى كلماته الأبوية “تشجعوا! أنا هو… لا تخافوا”. كيف نخشى وهو المحامي عن عبيده الذين يطلبون إليه. فعندما أرسل آرام جيوشه العظيمة غازياً مملكة إسرائيل قديماً، شك الشعب كما نشك نحن اليوم. فسأل الفتى أليشع النبي قائلاً: “آهٍ يا سيدي! كيف نعمل؟” فقال له أليشع:«لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ». لم يفهم الغلام وزاد اضطرابه، فصلى أليشع وقال: «يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». ففتح الرب عيني الغلام فأبصر، وإذا الجبل مملوءٌ ربواتٍ من الملائكة لتدافع عن شعب الله.
فلنضع رجاءنا على الرب، بشكل خاص في أوقات المحنة والشدة، ولنملك هذا الإيمان أن ملائكته هي حولنا وفيما بيننا. بركة اسمه القدوس فلتكن معنا جميعنا. آمين.

الشماس ملاتيوس شطاحي
  

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share