الإيزيديّون والحقّ بالاختلاف

الأب جورج مسّوح Wednesday August 13, 2014 148

الإيزيديّة ديانة كرديّة عريقة تؤمن، على غرار الديانات القديمة، بتعدّد الآلهة التي تستحقّ العبادة والتقديس. كما تؤمن بوجود إله واحد أقوى من كلّ الآلهة وأعظم منها كلّها، هو خودي-يزدان الواحد المطلق اللامتناهي في الوجود، و”طاووس ملك” كبير الملائكة الستّة. ومن هذه الآلهة الإيزيديّة يمكننا أن نذكر على سبيل المثال: إله الشمس وإله القمر وإله الفروسيّة وإله الطوفان وإله الينابيع وإله الحبّ…

الإيزيديّة ديانة منطوية على ذاتها لا تسمح بتداول معتقداتها إلاّ ضمن دائرتها. فالإيزيديّون يكتمون أسرار ديانتهم عن الآخرين، وهذا ما يؤكّد عليه أحد كتبهم المقدّسة حيث يأمرهم “طاووس ملك” بقوله: “يا أيّها الذين تبعتم وصاياي انكروا الأقوال وكلّ التعاليم التي ليست من عندي، ولا تذكروا اسمي وصفاتي لئلاَ تذنبوا لأنّكم لستم عارفين بما يفعله الأجانب (أي معتنقو الديانات الأخرى)” (الباحث هوشنك بروكا، دراسات في ميثولوجيا الديانة الإيزيديّة، إصدار خاصّ).

أمّا الأسباب التي جعلت الإيزيديّة تختار الانطوائيّة في تناقل موروثها الدينيّ فتعود إلى تمسّكهم باعتقاداتهم في ظلّ الظروف التاريخيّة الصعبة التي مرّت عليهم، إذ تحمّلوا أشدّ أنواع المذابح والاضطهادات. لذلك حرصوا على عدم نشر كتبهم ونصوصهم الدينيّة خوفًا من تأويلها لدى الآخرين تأويلاً غير صحيح.

وتعتقد الإيزيديّة بثنويّة الخير والشرّ، إذ ترى أنّهما كلاهما كامنان في ذات الله، وما على الإنسان سوى الاستجابة لنداء الضمير الأخلاقيّ لـ”الأنا المثلى” كي ينشد الخير ويبصق في وجه الشرّ. وفي هذا تختلف الثنويّة الإيزيديّة عن الثنويّة الزرادشتيّة التي تقول بوجود إلهين، أحدهما للخير (آهورامزدا) والآخر للشرّ (أهريمان).

يضاف إلى ذلك ما يُنسب إلى الإيزيديّين من عبادة إبليس، مما دفع الحكّام العثمانيّين والقبائل الكرديّة المسلمة المحيطة بهم إلى اضطهادهم واستباحة دمائهم وأرزاقهم. أمّا أهمّ الفتاوى التي صدرت بحقّهم فتعود إلى الشيخ أحمد بن مصطفى أبي السعود العماديّ، المفتي في زمن السلطانين سليمان القانونيّ وسليم الثاني (القرن السادس عشر للميلاد). ولـمّا كان هذا المفتي هو المفتي الرسميّ للدولة العليّة، فقد كانت فتواه تشرّع للدولة شنّ حرب دينيّة لإبادتهم.

ما يتعرّض له الإيزيديّون، في الوقت الراهن، ليس شأنًا حادثًا، بل يجد جذوره في التاريخ الإسلاميّ. فـ”داعش” وسواها من التنظيمات المشابهة ليست بحاجة إلى فتاوى جديدة لضرب أعناق الإيزيديّين، بل لديها ما يكفي من الفتاوى كي تمعن في جرائمها.

وإذا أراد الباحث أن ينبش في التراث الإسلاميّ لوجد فتاوى مماثلة صدرت بحقّ الدروز والعلويّين وسواهم من أهل الملل والنِّحل. وإذا كان المسيحيّون، وهم من أهل الكتاب الذين دعا القرآن إلى التعامل معهم بالحسنى مقابل تأديتهم الجزية، قد استبيحت دماؤهم، فلا عجب من أن تستباح دماء مَن يعتبرهم بعض الفقهاء، ومنهم القرضاوي، خارجين عن الإسلام.

الحفاظ على التنوّع الدينيّ مسؤوليّته تقع حصريًّا على المسلمين، ولا سيّما المعتدلون منهم. وحقّ كلّ فرد من أفراد بلادنا، بمَن فيهم الإيزيديّون، أن يؤمن بمَن يشاء أو أن يكفر. ولا حقّ لأحد بأن يلغي الآخر بسبب إيمانه أو عدم إيمانه. فمتى سينتفض المعتدلون، وهم إلى الآن ساكنون هامدون، ضدّ هذا التشويه الممنهج للإسلام؟

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 13 آب 2014

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share