يأسف الكثيرون ان الله لا يمنع القاتل ان يقتل ولا الكاذب ان يكذب. غير ان الرب آثر حرية البشر على ان يضطرهم الى العبودية لأنه أرادهم ان يقرروا مصائرهم بحريتهم ليعودوا إليه بحريتهم. بكلام آخر ما أرادهم آلات مضطرين إلى غرائزهم ليصيروا له بحب. هذا هو التمييز الوحيد عندي بين الحيوان والانسان. الحيوان لا يحب. يشتهي. ان تحب هو ان تختار. أنت بار أو طاهر اذا اخترت الله. لذلك يحزنني بعض السذج الذين يسألون ان كنا مخيرين أو مسيرين وكأنهم يؤثرون ان يكونوا كالآلات. تحزنهم حريتهم ولا يسرهم الانتصار على الخطيئة. أنا لا أفهم حسرة الكثيرين من انهم غير خاضعين للجبرية. كيف يرى هؤلاء انسانيتهم مميزة عن الحيوان الذي هو مخلوق جميل ولكنه مجبر.
اظن ان بشراً كثيرين لا يفتخرون بتغلب جنسنا على الخطيئة. هل هي أجيال الانصياع للعبودية التي لا مسؤولية فيها والتي قادتهم إلى كره الحرية؟ أعرف ان الحرية متعبة ولكن أليست هي القوة الاولى فينا التي تجعلنا شبيهين بالله؟ ما معنى اننا أفضل من الحيوان؟ أليس في اننا لا نكون في الخير الا اذا أحببناه وأقمنا فيه؟ يؤلمني كثيراً هؤلاء الذين يأسفون على تمتعهم بالحرية. منطقهم يجعلني اعتقد انهم يأسفون ليس على عمل الشر فحسب ولكن على عمل الخير. كثيرون يريدون لو كانوا آلات بيد الله. ان كانوا هكذا كيف يخاطبونه؟ كيف يقدرون أنفسهم والأبرار؟
تأسف لحريتك خشية من الخطيئة؟ لا ترتكبها وافرح بالنصر. هذا بعض منك ولو كان أكثره من الله. الله يراك مثله فأراد ان يكون ابنه مثلك ذا جسد ليشفي جسدك أي كيانك كله. هذه هي المسيحية كلها شبه الله بالإنسان. هذا وجه من وجوه الوحدة بيننا وبينه لأنه ان لم تكن وحدة كيف يحبنا حباً حقيقياً أي حب اتحاد بين كياننا وكيانه؟ كيف نتكلم عن محبة بيننا وبين الله ان لم نفهمها اتصالاً حقيقياً بين كيانين؟ كيف يدخل الله في الانسان ويحافظ هذا على جوهره؟ المسيحية لا تقبل بما هو دون ذلك وإلاّ كان المخلوق والخالق في مجرد مواجهة لا في تداخل. واذا كانا كذلك فليس من تجسد لابن الله. “والكلمة صار جسداً” لا تعني شيئاً ان لم تعن اتحاداً بلا اندماج أو صيرورة ولكنه حب وهو يعني ان الله صار إنساناً دون ان يترك طبيعته والإنسان صار إلها دون ان يترك طبيعته. أنت ان صرت إلى الاتحاد تفهمه. الحب لا يحتاج إلى فهم. هو الفهم.
بسبب الضرورة للجهد الروحي نتعب أحياناً لأن الانهزام أمام الخطيئة أسهل. غير ان الرب أرادنا في الجهد أي في الاختيار لأن اختيارنا له صورة حبنا له. الانصياع لله ان كان فقط تلقائياً لا خيار فيه. ان تختار الله أو ان تقبّل اختياره لك يعطيك الإحساس بأنك شريكه في صنع نفسك. صحيح أنك لست صانع نفسك في الخير ولكنك متقبله نعمة. هذه هي الحصة المتروكة لك في الخلاص.
جريدة النهار
23 آب 2014