الصلاة هي للمصلي وسيلة يستنير بها من النور الأزلي كي يعرف مشيئة الله، فيعمل بمقتضاها. الصلاة تكون عقيمة، مجرّد كلمات وأناشيد بلا روح، إنْ لم يتبعها فعل في “الآن وهنا”، في المكان والزمان الحاضرين. الصلاة هي تذكير للمؤمنين بكونهم مدعوين إلى تحقيق مشيئة الله في الكون، وبكونهم شركاء لله في صنع السلام وعيش وصيّة المحبة بملئها.
عندما يؤرّخ القديس لوقا الإنجيلي لسيرة المسيحيين الأولين يقول: “وكان المؤمنون كلهم متّحدين، يجعلون كل ما عندهم مشتركاً بينهم، يبيعون أملاكهم وخيراتهم ويتقاسمون ثمنها على قدر حاجة كل واحد منهم. وكانوا يلتقون كل يوم في الهيكل بقلب واحد ويكسرون الخبز (يقيمون القدّاس) في البيوت، ويتناولون الطعام بفرح وبساطة قلب. ويسبّحون الله، وينالون رضى الناس كلهم” (أعمال الرسل 2، 44-47).
ليس صدفة أن يتكلم لوقا على الشركة المادية قبل أن يتحدّث عن الشركة الروحية. فلا معنى للصلاة والقداس والتسبيح إنْ لم تكن جميعها تتويجاً للشركة في ممارسة المحبة والرحمة والعطاء. والرب نفسه يقول في الموعظة على الجبل، مقدّماً العمل على التعليم: “ومَن عمل بالوصايا وعلّمها يعدّ عظيماً في ملكوت السموات” (متّى 5، 19). فالناس لا يصدّقون مَن يعلّم على المنابر واعظاً إنْ لم يعمل بما يعلّم ويعظ.
ليست الصلاة، إذاً، تخلياً عن مسؤولية المؤمنين تجاه الذين يصلّون من أجلهم، ورمي المسؤولية على الله وحده. فكأن الله في حاجة إلى مَن يذكّره بمعاناة الناس. الصلاة هي ابتهال إلى الله كي يعيننا في حمل صليب المعذّبين والمضطهدين، إلى أي دين أو طائفة أو عرق انتموا. لا ينتهي واجبنا بأداء الصلاة، بل بالأحرى يبدأ هذا الواجب بعد انتهاء الصلاة.
يقول القديس يعقوب الرسول في رسالته الجامعة: “فلو كان فيكم أخ عريان أو أخت عريانة لا قوت لهما، فماذا ينفع قولكم لهما: إذهبا بسلام! استدفئا واشبعا، إذا كنتم لا تعطونهما شيئاً مما يحتاج إليه الجسد؟ وكذلك الإيمان، فهو بغير الأعمال يكون في حد ذاته ميتاً” (2، 15-17).
أما القديس بولس الرسول فمشهود له أنه كان، في جولاته التبشيرية العديدة، يجمع التبرّعات ويرسلها إلى الفقراء في فلسطين.
الإيمان وكل ما يترتب عليه من عبادات، صلاة وصوم وسواهما، باطل، إنْ لم يقترن بالأعمال التي هي جزء أصيل منه. وقد دعا الله المؤمنين إلى الاقتداء به في أسمائه وصفاته: “كونوا رحماء كما أن أباكم (الله) رحيم”، “كونوا كاملين كما أن أباكم كامل”… فلا جدوى من الدعاء “يا ربّ ارحم”، إذا لم يكن قائلها رحيماً بإخوته من بني البشر.
أهل العراق وسوريا وفلسطين لا تكفيهم الصلاة وإضاءة الشموع والخطب والمسيرات… بل هم في حاجة إلى تضامن حقيقي يستدعي من المؤمنين، ومن القائمين على الكنائس، استثمار كل ما لديهم من أجل التخفيف من معاناتهم عبر وضع كل ما تملكه الكنائس من أملاك وأموال وعلاقات في خدمتهم. صلّوا، ولكن أقرنوا الصلاة بالعمل.
هذا أضعف الإيمان.
جريدة النهار
27 آب 2014