لماذا البغض لأتباع يسوع الناصري؟ لقد زال الاستعمار وأزاله المسلمون ولا أحد منهم يعتقد اليوم ان المسيحيين العرب يأتون هم اليوم به. وهو ليس حصة أحد. لماذا اذاً كل هذا الانقضاض على اتباع الناصري في العراق وفي غير العراق؟ بعد ان تفشت الصهيونية في كل بقعة لم تبق حكراً على أحد. هل يعتقد أحد من المطلعين ان الصهيونية لم تتسرب الى كل العرب؟
ليس شيئاً جديداً اتهام المسيحيين فلما أراد الامبراطور نيرون الروماني اضطهادهم ادعى انهم احرقوا روما وما كانت عندهم قوة لاحراق قشة. لماذا تكافأ المسيحية بالبغض وهي معلمة المحبة؟ لماذا كل هذا الانقضاض عليها؟ أنا تلميذ مدرسة مسيحية فرنسية. لم أسمع فيها كلمة واحدة ضد الاسلام. لم يشعر
احد من جيلي ان هذه المدرسة كانت معقلاً لمسيحية متعصبة. التعصب ابن هذا البلد في كل أطرافه. هل كانت المدرسة الفرنسية جاذبة الى الغرب والى ثقافته؟ الى ماذا كنا نريدها ان تجذب؟
احياناً كثيرة تكره الذي ليس من معسكرك. بسبب من التنظيم الاجتماعي تراه عدواً. غير صحيح القول الروماني القديم إن الانسان ذئب للانسان. في بدء العلاقات البشرية الانسان أخو الانسان. ثم تتأزم العلاقات لمئة سبب وسبب.
تكره الدعوة الى المحبة لأن هذه الدعوة تأنيب، ان تنادي بالفضيلة باستمرار وبقوة يعرضك لاضطهاد الأشرار. انهم لا يثبتون أنفسهم الا به. قاعدة البغض ان يموت الآخرون في أجسادهم أو في أرواحهم. الآخر عند بعض مشروع موت. لذلك كان الإيمان بالقيامة مخالفاً لمألوف البشر. القول بالقيامة غريب عن رؤيتنا الدائمة للموت. هو من إيمان وليس من رؤية.
البغض قاعدة لأنه الصورة السيكولوجية للموت. القاتل ان نفذ أو لم ينفذ يحمل إلغاء الآخرين. القتل إبادة الموجودين فعلاً أو رغبة. هو في عمقه إلغاء الخلائق والخالق. القاتل ضمناً لا يعترف إلا بنفسه وفي آخر المطاف هو المنكر لله لأن الله يثبت أهمية القتيل.
ان تعترف بالله لا تترجم عندي أصلاً إلاّ بالاعتراف بالآخرين. ان تقّر بالآخرين هو الدليل الحقيقي على ايمانك بالله. اذ كيف تثبت الإله غير المنظور الا اذا ثبت المنظور؟
الإقرار بالآخر في حسناته وسيئاته صعب. أنت تحبه فيما لا يزال على سيئاته لأن الله هكذا أمر. ان تعترف بالآخر تعني انك لا ترى نفسك وحدك موجوداً. ترى نفسك في الجماعة، عائشاً معها وبها. هي تقر بك وتزداد أنت وجوداً. الإقرار بالآخر يعني قبوله كما هو قائماً لا بشروطك بل بما وهبه الله. هذا ضمناً يعني قبولك بوجود آخرين مختلفين عنك وقد يكونون خصوماً ولا تريد ان تقتلهم. ترضى بمجتمع متخاصم إلى ان يلهم الله بعض الناس شيئاً آخر.
أنت تقبل الاختلاف بلا قتال وربما بلا تناحر. المجتمع تحديداً مختلفون وإن لم يكونوا أعداء. البغض في حقيقته رغبة في إلغاء الآخرين. الاختلاف يقبل الله به من أجل التعاون. المهم ألا تقتل احداً في فكرك. ان تقتنع ان الله يرى الخلاف شرعية وان تعترف ان لكل انسان قيمة مطلقة أيا كانت مواقفه. والمحبة هي الاقتناع بأنك ان أعطيت تنتج الحياة وان هذه تنتقل الى العدو ان أنت أجبته. وثق انك قادر على توليد لمحبة فيك وفي الآخر.
جريدة النهار
30 آب 2014