مسيحيو العراق وغير العراق – المطران جورج (خضر)

mjoa Monday September 1, 2014 146

مسيحيو العراق وغير العراق

من السهل جدا ان يقال ان هؤلاء تبيدهم او تهجّرهم الحرب الأهلية الدائرة في العراق. أفهم ان يموت المقاتلون من سنّة وشيعة. هذه قاعدة الحروب او أفهم أن يموت الذين يرفضون الاحتلال الأميركي. هذه قصة سلاح. ولكن المسيحيين في الموصل وغير الموصل لم يشتركوا في الحرب الأهلية ولا في المقاومة. لأي سبب يساقون الى الموت او الى إجلائهم عن وطن أحبوه وأسهموا في حضارته منذ عهود سومر وبابل.

ماذا حلّ في العراق الذي كان متعلّقًا جدًا بالعروبة ومن طليعة بلدان العرب في الذهنية المدنية. واذا كانت الحكومة حامية المواطنين جميعا بصرف النظر عن الدين او المذهب لماذا يكون تركيز القتل على هؤلاء ولماذا نتفرّج بهدوء على سفك هذه الدماء البريئة؟ «من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» (المائدة، 32). لست أطمئن الى تفسير كل إبادة للمسيحيين في العراق بالقاعدة او اية حركة احيائية وأصولية. فالقاعدة وما يشبهها تقتل المسلمين ايضًا، وهل أثير العداء الديني ولم نبقَ في إطار التأجج الحربي، لست أعلم، وعلى الحكم العراقي ان يفتش. ولكن من يسائل الحكم العراقي؟

45ممنوع على المسيحي ان يثأر. هو تحديدا غافر لقاتليه. ولكني لا أستطيع ان أقبل قتل عربي لعربي بسبب من ديانته. هذا أولا ليس موجودا في الأصول. ولم تكن -على حد تحصيلي- قاعدة العداء بين الأكثرية والأقلية واردة في العراق قبل هذه الحرب. هناك قتل مجاني لا أستطيع فهمه الا إرادة في تشتيت المسيحيين في ذلك البلد العظيم. من هو صاحب هذه الإرادة؟

أفهم أن الأميركيين ليسوا غيارى على المحافظة على الأقليات. لم يهتموا لها يوما. ونعرف اين تكمن مصالحهم. كنت أحسب أن الأقليات في عهدة الدولة. لا يبدو ان هذا تحقق في هذا البلد الشقيق او ان ثمة فيه دليلا لتحقيق ذلك. لست عالم نفس ولكني أتمنى أن أعرف من علماء النفس ان كانت الحرب الأهلية تثير شعور بغض ضد الأقليات. هل المقتول دقائق قبل ذبحه يحس بأن القاتل أصبح حقا عدوا لشعوره الديني في نفسه؟ ليس عندي عن هذا جواب. ولكن توضيح هذا الأمر أساسي لمعالجة مستقبل التعايش إن كان ثمة أمل في التعايش؟

* * *

أرفض على ضوء هذا أن يقول لي أحد: الدنيا قائمة قاعدة، وفي جو هذا التخبط العام يقتل (بضم الياء وفتح التاء) المسيحيون. هذه الحجة مردودة اذ لم يشترك المسيحيون في الحرب. وهذا تهرُّب عند أولي الفكر والإخلاص هناك من التأثير على الدولة لتكون دولة. وقبل كلامهم مع أهل الحكم واجب كل العراقيين ان يصرخوا ويحتجّوا جهارا ليزكّوا ضمائرهم ويبنوا معا عند انتهاء الأحداث وطنا حضاريا.

لست مدمنا على قراءة الصحف لأعرف عما اذا كان مسلم واحد في لبنان صرخ بوجه الجناة العراقيين. أهمية الأمر ان يشهد هذا المرء بأخوّته للمسيحيين في الموصل وبغداد وسواهما او يشهد للمشاركة في العروبة. الصمت قتال. يشعرك انك غريب.

سألني غير مسيحي في لبنان: ماذا سيحل بنا بعد محاولة الإبادة لمسيحيي العراق؟ كنت أعزيه بقولي ان مسلمي لبنان ليس فقط يحبوننا ولكنهم يلحّون على أن بقاءنا معهم ضروري لهم كليا. كنت أقوله لإشاعة السلام في القلوب والإقناع بالتعاون مع المسلمين. ولكني أريد ان تقوى قناعتي بأن ليس هناك رغبة في فئات جهادية تكفيرية ولكنها قوية بإجلاء المسيحيين عن طريق الخوف.

* * *

ما جرى في مصر اعني قتل أقباط من حيث الكيف او المعنى والبغض الذي هو المعنى الكبير ليس جديدا. هذا أمر ظهر منذ عدة سنوات والحكم ايضا لا يتحرك كأنه يخشى الجماهير او بعض الكتل الأصولية. الا تذكرون ان الأقباط كانوا في طليعة من جابه الانكليز في ثورة 1919؟ ألستم تعلمون ان المنظّر الكبير لحزب الوفد كان مكرم عبيد المسيحي. ألم تقرأوا ان البابا شنودة رفض دائما ان يستعمل لفظة أقليات إزاء التحرش الأميركي الذي كان يريد دائما ان يثير هذه المسألة بناء على شرعة حقوق الإنسان؟ المسيحيون في فلسطين التاريخية أمسوا 2% من السكان. القدس التي كان القسم الكبير منها مسيحيا قبل احتلالها أضحى المسيحيون فيها لا يتجاوزون عدد السكان في قرية مسيحية كبيرة في لبنان او قريتين.

ما الفرق بين الجلاء والإجلاء؟ الجلاء شريط من حرير لا يقتل، والإجلاء شريط من حرير يخنق. الحل في ايدي المسلمين العاقلين الأطهار والأقوياء معا. كيف تصنع آلية للجم القتلة، لست أعلم. التأسف الكلامي لا يكفي. الاحتجاج الصارخ لا يكفي. الإسلام لا يأنف ان يستعمل القوة داخل الدولة او خارج الدولة. ان يباد مئات العراقيين مشكلة كبيرة. ان يُذبح عشرة اقباط او اكثر كل سنة في الصعيد مسألة مطروحة حول الكيان المصري وشرعية الحكم فيه. ازاء كل هذه الفظائع لا يستطيع الوجدان الإسلامي ان يبقى متفرجا ولا سيما ان الألسنة والأقلام تتكلم من زمان طويل جدا على سماحة الإسلام. هل يبقى هذا في حدود الأُمنيات ام تصبح المجتمعات الإسلامية حقا مجتمعات حرة لكل مخلوق عاقل؟

نحن نريد ان نعيش مع المسلمين بالمعنى الأوربي لكلمة حرية، ونريد سلام الله عليهم وازدهارهم الكامل على كل الصعد. هذا ما يقوله على الأقل أتقياء المسيحيين. لست أتحدث هنا عن لبنان حيث القلوب واحدة وفي رؤيتي انها موحدة في صدق كائنا ما كان شكل الحكم او تنظيمه. ولي الحق ان أتمنى صمود الإخوة المسلمين ضد الحركات المتعصبة التي تعمل ضدهم بالقوة نفسها التي تعمل بها ضدنا. ولكن المثال اللبناني لا يقي من التحرك الذي قد يأتي من الخارج.

هذا التحرك يحتاج الى تنديد إسلامي من عندنا والى تحريك إسلامي لبناني لتعليم العرب الحرية لكل أجناس البشر أكانوا قريبين أم بعيدين بعضهم عن بعض في العقيدة. ليس المجال هنا لأشير الى ما يحدث في الباكستان وأندونيسيا ضد المسيحيين. انا اؤمن ان المسلمين العرب هم معلّمو الإسلام السمح في العالم. ولكن هذا يقتضي ايمانا حقيقيا بالحرية الكاملة. كيف يستخرج أئمتهم هذا من تراثهم، هذا شأنهم، وليس عندي صبر لأنتظر الى الأبد الاعتراف بحقي ان أبقى جسديا. هذا من شأنه ان يفيد كل الناس الذين يطلبون الله.

الإله الذي يعبده المسلمون طمأنينتي.

المطران جورج (خضر)

نقلاً عن : الرعية الأنطاكية الأرثوذكسية Antiochian Orthodox Parish

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share