الإنسان مدى الله والله مدى الإنسان أي ان الرب هو إلى البشر وهم به محدودون. ليس ان الله محدود بالإنسان ولكنك لا تدركه الا بانعطافه على الإنسان ولا تصل إلى حقيقة هذا ما لم تره مع ربه في وصال. الإنسان هو في الآخر ليس بمعنى انه فقط في الإنسان الآخر ولكن بمعنى انه في الله وبالله يتصل بأخيه الإنسان. هذه هي قاعدة الوجود اذا أردت ان تفهم شيئاً عن الله والإنسان وعنهما معاً وهما معاً أو خارجان عن الفهم.
إن لم يكن الله مدى الإنسان لا يكون الله في أية معقولية واذا كان الإنسان مع إنسان آخر فقط فهما غير متلاقيين. التلاقي في التواجه أي في الآخرية. شرط التلاقي ان تكون آخر ولكنك ان كنت آخر حتى النهاية ما من تلاق. شرط المحبة ان يكون المحب غير المحبوب وان تكون ثمة قدرة تلاق بسبب من الإنسانية الواحدة في الاثنين وبسبب من تمايز الاثنين معا.
غير ان شرط التلاقي بين بشر وبشر ان يكون كل فريق خرج عن مطلق ذاته ليحب. اذًا المحبة وحدها التلاقي. شرط المحبة ان تكون آخر لأنك ان كنت في اندماج جوهري ما من تلاقٍ. تكون تمت الوحدة عند ذاك. لكن المحبة ان تكون تلاقيا ما لم تكن محبة في الله. فاذا اقتصرت على ان تكون لقاء بشريا مكتفيا ببشرته تحده بشرته وينتفي التلاقي… انشدادك إلى الله هو الذي يضمن لك لقاءك الإنسان الآخر. هو وحده الذي يجعلك غير مستبد أو غير خاضع. هنا أعود إلى القولة الرومانية القديمة: “الإنسان ذئب للإنسان”. لأنهما لولا الله هما في افتراس.
خروجك إلى الله يجعلك وحده في لقاء الآخر والا كان التلاقي اندماج مصالح أو منافع. الإنسان ان قبع في بشرته كان أسير نفسه وان خرج من نفسه لا يخرج الا إلى الله. تلك هي الحرية.
كل الجهالة ان تقبع في نفسك لأنك مضطر، اذ ذاك، ان تصبح أسير فراغها. لا حرية لك الا من نفسك. حب الإنسان للآخر هو ما طلبه الله في كتابه ولكن هذا معناه ان تسعى إلى الله في الإنسان الآخر لأنك اذا لم تطلب هذا تكون ساعياً إلى نفسك في ظنك انك تسعى إلى الآخر.
المسألة ألا تضيع في الآخر، الا تنحل فيه. غير هذا ان تكون معه وإليه. أنت، اذ ذاك، تبقى نفسك ولكن مصلحاً بملح. أنت في معية. ليس في الإنسانية من معنى إلاّ كونها معية. والإنسان ليس محدوداً بفرديته. الفردية ليست الأصالة كذلك ليست التراكمية البشرية أصالة. المجتمع هو المحبة وليس الجمهور. ان يكون الناس على نموذج واحد في أي شيء ليس هذا الوحدة. ان يكونوا واحداً في الحب هو كل شيء.
الخطأ ان نقول بفردية الإنسان. الخطأ أيضًا ان نقول بجماعية البشر. الحقيقة ان نقول بالإنسان المشارك الآخرين إنسانيتهم وحبهم. الخلاص في المعية حيث يبقى كل منا على حريته ولكنه شريك الآخرين في الفرح والأحزان، فيما يحيون وفيما يموتون.
الذين يرون الإنسان جسدًا بحتاً أو كائناً مجتمعياً بحتاً يبترونه. الإنسان بكل أبعاده وكل أعماقه. ليس من عزلة عازلة وليس من تجمهر يلاشي حرية الذات. الإنسان في استقلاله ولكنه في حبه أيضًا وعلى قدر المحبة يستقل وباستقلاله يعطي. المنصهر لا يعطي لأنه مسحور.
أنت لا تذهب إلى الله حتى تلاشي إنسانيتك. هي أمام الله أي في ذاتيتها. ان أحببت الله يثبتك. أنت في عشرة الله تحس بوحدتك به ولكنك تحس انك قويت. محبتك له لا تفنيك. تثبتك أمام وجهه ولكن ليس ضد وجهه. كيف تكون مع ربك واحداً وتبقى على بشرتك؟ هذا سر الحب انه يقيم الله أمامك ويقيمك أمامه. غير هذا في أي اتجاه انحراف.
جريدة النهار
6 أيلول 2014