ألبير لحام… كما عرفته

مهى عفيش Sunday September 7, 2014 298

مهى عفيش

لا يمكنك أن تتعرّف إلى ألبير لحّام ثمّ تعود وتتابع حياتك كما في السابق. كانت موهبة (إحدى مواهب) هذا الرجل أن يغيّر حياة الناس، وقد غيَّر بالفعل حياة كثيرين.

كان يشبه شخصيّات الكتاب المقدّس. يجعلك تشعر بأنّك أمام أحد صيّادي بحيرة طبريّة، ببراءتهم، وببساطتهم الفطريّة، وحيويّتهم النابضة، الذين عايشوا السيّد وسمعوا كلمات الحياة من فمه القدّوس. ألبير كان أحد هؤلاء الذين انسكبت عليهم الحكمة السماويّة فجعلتهم صيّادي الناس، ولكنّهم استمرّوا على تواضعهم وبراءتهم وشفافيّتهم، لا ينضحون إلاّ بالمسيح.

ما كان سرّ هذا الرجل الذي يجذبك كطعم، يجعلك تعيش معه الفرح، ينقل إليك في لحظة حماسته وحيويّته، فيهبّ فيك الحنين إلى معشوقه، الربّ يسوع؟

تأسرك دماثته ورقّة عواطفه وطلاوة حديثه وعمقه الروحيّ وإيمانه الصلب… فتنسى كلّ ما عداه، وتشعر بأنّك في عالَم محوره البشرى والكلمة الحيّة والصلاة.

يجذبك فيه تهذيبه الراقي غير المصطنع، وظرفه غير المتعمَّد، ومحبّته التي لا رياء فيها. تلفتك فيه منذ اللقاء الأوّل عاطفته التي تهبّ لاستقبالك في عناق روحيّ أبويّ.

يبهرك حديثه المفيد والممتع في آن: جعبته تفيض بالأحاديث الإنجيليّة والتأمّلات. في عينيه بريق لا يخبو، وذلك الفرح الذي قال عنه الرسول الإلهيّ: »افرحوا بالربّ في كلّ حين«. مزيج من الذكاء المتوقِّد والبراءة الطفوليّة، من المعرفة والروحانيّة، من الثقافة العالميّة والإيمان العميق… من الأرض والسماء!

كان ألبير مزيجًا غريبًا وتركيبة فريدة وشخصيّة فذّة. ولعلّ أجمل ما فيه أنّه كان ينسى، في غمرة تواضعه وعفويّته، أنّه أحد عمالقة الكنيسة الشرقيّة في القرن الحادي والعشرين.

وهب حياته للنضال من أجل إحداث نهضة في الكنيسة الأرثوذكسيّة. وكان همّه أن يحتضن الجيل الجديد ويحمل إليهم بشرى الإنجيل ويحفظهم في الإيمان. وما وهنت حماسته ولا فترت عزيمته حتّى آخر أيّامه. كان »كالنسر يتجدّد شبابه«.

عاش مع الألم سنوات كثيرة، واحتمله بصبر حتّى آخر لحظة. لم يفزعه المرض ولا الألم ولا الموت القريب. لم يتركه الفرح الذي كان يضيء وجهه كإشراقة النهار، ولا ابتسامته التي تجعله يبدو كطفل في وضع انتظار دائم لمعلِّمه الذي لا بد من أنّه سيأتي قريبًا ليصطحبه. كان كلّه أمل بالربّ يسوع الذي “لن يفصله شيء عن محبّته”.

عندما عرفته أدركت ما معنى أن نكون أناجيل ناطقة تصدح بعذوبة السيِّد وحلاوة الملكوت والفرح الآتي. وحين غادرنا إلى السماء علّمتني ذكراه كيف ينبغي أن يتجلّى إيماننا القويم سلامًا وفرحًا وانتظارًا للَّه لا يملّ.

مجلة النور 2014، العدد 3، ص 152

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share