تجليات دمشقية
الأحد الرابع عشر بعد العنصرة -ر فع الصليب المقدس
عظة هذا الأسبوع لقدس الأرشمندريت ابراهيم داود
أسرة الإعلام والعلاقات العامة – دمشق
إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله
هذا يا أحباء ما سمعناه في نص رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، لأن بعض الناس كان يتساءل لماذا نكرم الصليب؟ فالصليب بالنسبة إليهم هو رمز للعذاب والموت والعار. وقد ورد في الكتاب المقدس إن الذي يعلَّق على الصليب هو ملعون من الله. يؤكد لنا القديس يوحنا الإنجيلي بإنجيله أن الصليب لم يعد مجرَّد ألم ومذلة، بل أصبح رمزاً لمجد الله، فالمسيح يصف صعوده على الصليب بأنه ارتفاع ومجد وانتصار على الخطيئة والموت، وبالصليب سيرفع البشرية إلى أبيه “وأما يسوع فأجابهما قائلاً: قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير… وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع. قال هذا مشيراً إلى أية ميتةٍ كان مزمعاً أن يموت”.
القديس يوحنا الدمشقي يقول: أنه بموت المسيح على الصليب بدأت عملية الخلاص وأصبح الصليب رمزاً للخلاص. وقد عبّرت الكنيسة عن أهمية الصليب في حياتها، وحياة كل المؤمنين. فالصليب أصبح نبع الحياة الأبدية ومجد الشهداء وميناء للخلاص، وبه تزعزع الشيطان، وبادت الخطيئة. ففي صلاة الغروب لعيد رفع الصليب نقرأ: “افرح أيها الصليب الحامل الحياة باب الفردوس وثبات المؤمنين وسور الكنيسة الذي به تلاشى الفساد وبطل، وابتُلعت قوة الموت وارتقينا من الأرض الى السماويات. أنت السلاح الذي لا يحارَب ومقاوم الشياطين، بما أنك مجد الشهداء والابرار… وميناء الخلاص المانح العالم الرحمة العظمى.”
دعونا يا أحباء نتأمل قليلاً بأيقونة العيد، نلاحظ في وسط الأيقونة خشبة الصليب الذي صلب عليها ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، يحمل الصليب مثوديوس بطريرك أورشليم وهو يرتدي الملابس الكهنوتية المزينة بالصلبان، نرى من الجهتين شمعتين مضاءتين يحملهما صبيان، كما نرى أمام الصليب الملكة هيلانة من جهة وهي التي بحثت عن عود الصليب ووجدته، والملك قسطنطين الكبير ابنها من الجهة الثانية، يرتديان ملابس غنية ومزينة وكل منهما يضع تاجاً على رأسه علامة الملك. نرى قرب الصليب من جهة الملك قسطنطين ثلاثة رجال أحدهما شماس يبخر الصليب، مكتوب على زناده ” قدوس قدوس قدوس” والثاني مطران كما تدل ملابسه الكهنوتية والثالث راهب أو ربما كاهن. أما من جهة الملكة هيلانة فنرى ثلاث نساء لعلهن راهبات. يقف الكل أمام مبنى كنيسة كما يدل الصليب الصغير فوقها وهذا يعني أن الحدث يجري داخل الكنيسة.
تحتفل كنيستنا المقدسة بهذه المعجزة، معجزة الصليب الكريم المحيي لمخلصنا يسوع المسيح، لأنه في هذا العيد المكرم احتفل القديس مكاريوس بطريرك المدينة المقدسة أورشليم برفع عود الصليب الكريم المحيي، الذي وجدته القديسة هيلانة المعادلة الرسل، عند زيارتها الأراضي المقدسة بحثا عن عود الحياة للفادي يسوع المسيح.
من أعظم معجزات السيد المسيح هو صليبه الكريم المحيي، فهو أكبر العجائب قاطبة، لأنه وكما يقول القديس يوحنا الدمشقي: لولاه لما بطل الموت أبداً، ولا انحلت خطيئة أبينا الأول ولا سلب الجحيم ولا منحت القيامة… ولا صرنا أبناء الله وورثته.
والمؤسف اليوم أن هذه العلامة المقدسة بدأت تستخدم بالطريقة الخاطئة فنرى هذا الشاب الذي وشم الصليب على كتفيه أو على يديه ظنًّا منه بأن المسيحية هكذا ستنتشر، أو ذاك الشاب الذي أراد أن يواكب الموضة فنراه لابسًا سلسالاً عريضًا معلقًّا به صليب ضخم، وهذا الذي لا يعرف كيف يرسم إشارة الصليب على وجهه وكثير الكثير من العادات التي تسيء للصليب.
فأين نحن اليوم من مفهوم الصّليب في حياتنا والسيّد المسيح له المجد والإكرام بدا واضحًا في الإنجيل الشريف على أنَّ من يتبعه لا بد من أن يحمل الصّليب “مَن أراد أن يتبعني فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني”، فأيُّ صليب نحمل اليوم نحن المسيحيين؟
الصليب باختصار هو موضع الحبّ الإلهي للبشرية جمعاء، حيث أظهر الله قمة محبته لنا فبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يو 3 : 16). هذا ما تختصره ليتورجيّتنا في إحدى صلواتها عن الصليب: “إفرح أيها الصليب الكريم، مرشد العميان وطبيب المرضى وقيامة كل المائتين، الذي رفعنا نحن الساقطين في الفساد، الذي به قد انحلّت اللعنة، وأزهر عدم الفساد، ونحن البشر قد تألّهنا، والشيطان قد حُطِّمَ بالكليّة. فإذ نشاهدك اليوم مرفوعًا بأيدي رؤساء الكهنة، نعلي الذي علّق عليك، ولك نجثو طالبين أن تمنحنا بسخاء الرحمة العظمى”.
فخلص يا رب شعبك وبارك ميراثك، وامنح عبيدك المؤمنين الغلبة على الشرير، واحفظ بقوة صليبك جميع المختصين بك.
كل عام وأنتم بخير
الأرشمندريت إبراهيم داود
14 أيلول 2014