باسم الآب والابن والروح القدس.
آمين.
الإخوة والأبناء الأحباء، في الأحد الثاني من لوقا حدَّدت الكنيسة أن يتلى فصل من الإنجيل غني بالنصائح والإرشادات الحياتية التي لو تأملنا بها لاغترفنا من أعماقها دستوراً حياتياً يكفينا تعب التفتيش عن طرقٍ حياتية في أماكن مختلفة ولكن لا علاقة لها بالإنجيل. من هذه العبر الحياتية التي نجدها هنا هي الآية: “كما تريدون أن يعاملكم الناس هكذا عاملوهم أنتم”. في العهد القديم ورد عكس هذا الكلام إذ تقول الآية “العين بالعين والسن بالسن” أي إذا عكسناها على هذه الآية الإنجيلية لصارت “عاملوا الناس كما يعاملونكم” أو كما نقرأ دعاءً مكتوباً في بعض الأمكنة “ربِّ إرزق الناس كما يتمنون لي” وكأن الناس يريدون دائماً أن يعيشوا في عصر الناموس ولا يرغبون بالانتقال الى عهد النعمة مع أن الإنجيل يقول “الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع صارا” وعهد النعمة يجعل الإنسان في مقام المسؤوليّة عن الآخر ونجاحه بأسمى معالي المسؤولية أي بمماثلة المسؤوليّة عن الذات. المسؤوليّة التي يريدنا مسيحنا أن نتحملها هي أن نكون نحن المسؤولين عن خطّ ومسيرة حياتنا فيجب أن نفرض نحن فلسفتنا الحياتية على الآخرين ولكن لا بالعصا والقتل والضرب والتشريد والتهديد بل بالمحبة التي هي الأبقى من كل ما عداها. أن تعامل الآخرين كما تريد أن يعاملوك يفرض عليك أن تكون مستعداً لقول الكلام الطيِّب تجاه الآخرين. أن تحافظ على حياتهم كما تحافظ على حياتك. الإنسان يريد لنفسه كل الخير فيتوجب عليه أن يسعى لتأمين الخير لكلِّ الناس. ومن أجمل الفضائل التي يتحلى بها فضيلة المسامحة، تفرض على الإنسان أن يسارع دائماً للمسامحة ومبادلة الناس المحبّة بوفرة وغزارة لأنه يريد أن يسامحه الناس حتى لا يريد أن يروا فيه عيباً.
هذه القاعدة الأخلاقية التي تؤدي الى الحياة الأقوم تجعل الناس متساوين لا فرق بينهم. ويتحمل الواحد الآخر في عملية تضامن ينصحنا بها الرسول بولس في قوله “إحملوا بعضكم أثقال بعض” من منا لا يتمنى أن يجد في حياته المحبَّة والحنان والتفهم في جميع الأحوال.
هذه الآية هي التي كانت تدفع الآباء الرهبان الى أن يتخلَّى الواحد للآخر عن أعزِّ ما لديه، ثيابه – كتبه – قلايته، من غير أن يضطرب. كانوا يُسرَقون فيسامحون السارقين ويغفرون للمسيئين. مرَّة جاء أحدُ الأغنياء ببعض العنب الى الاسقيط مكان سكنى الرهبان وكان العنب في وقت مبكِّر فلما طرق باب الراهب الأوّل أرشده هذا الى أنَّ جاره بحاجة لذلك أكثر وهكذا مرَّ على جميع الرهبان ولم يمسّ راهب من الرهبان العنب فكلّ واحد منهم فضَّلَ الآخر على نفسه.
إن هذه الآية الى جانب ما ذكرناه أعلاه تعلِّم ضدَّ الأنانية والأثرة والخصوصيّة ولو استطاع العالم أن يعيشها على مستوى دلالاتها جميعاً لصار العالم مليئاً بالسلام ولما اضطرَّ إنسان أن يزعج إنساناً ولن يبقى إنساناً جائعاً ولا شخصاً خائفاً ولن يبقى في الدنيا فقيراً أو مطروداً أو بائساً أو وحيداً ولما صار الناس عبيداً للمادة ولكانوا لبعضهم البعض أفضل من كل وكالات التأمين والمياتم والملاجيء ودور العجزة.
لو عاش الناس هذه الآية لما وجدت حاجة للجيوش والدول والسلطات والرئاسات ولحلَّ السلام بين البشر ولما احتاجوا لمعاهدات. فهذه الآية هي التي تحرِّك معاهدة كتبها الله على القلوب.
صعب على الناس أن يرتقوا الى مستوى الآية الأخلاقي والإنساني لأن الإنسان ما بعد الخطيئة صار إنساناً مفضِّلاً لذاته على كل ما عداه ذا أثرة وأنانية وخصوصية وملكية خاصة. الرب يسوع المسيح يريدنا أن نعيش كأبناء الملكوت وليس كأبناء هذا العالم.
السؤال: هل يمكننا أن نعيش هذه الآية في حياتنا، الجواب هو في سياق النص فلو لم يكن ذلك ممكناً لما تمنى الإنسان أن يتحقق له ما يريده. وبدون يسوع المسيح لا يمكننا أن نعيشها ولا أن نحققها. وهو القائل بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً فهو دائماً يعلمنا أن ننقل السماء الى الأرض لكي تصبح الأرض ملكوتاً سماوياً.
وأهم العوامل المساعدة على تحقيق هذه الآية أن يسعى الإنسان الى إصلاح ذاته وتنقية شخصيته من كل أدران الخطيئة فيكتشف أن حياة السلام أفضل بكثير من حياة الخصام، لأن الروح القدس يدير الأولى أما الأخرى فيقودها الشرير. ومتى عامل الناس بعضهم كما يريد كلُّ واحد منهم أن يعامله الآخر يستطيعون أن يصرخوا بصدقٍ “أبانا الذي في السموات ليتقدس إسمك ليأت ملكوتك كما في السماء كذلك على الأرض”.
باسيليوس
مطران عكار وتوابعها
نشرة البشارة : النشرة الرعائية الأسبوعية التي تصدرها أبرشية عكـّــار الأرثوذكسية
الأحد 5 تشرين الأول 2014