كلمة الأمين العام في اللقاء الذي أقامه مركز اللاذقية احياء لذكرى الأخ روي فيتالي:
سيادة المتروبوليت يوحنّا الجزيل الاحترام
الآباء الأجلاء
الأحبّة في اللاذقية.
سلام لكم ونفسي تشتاق أن أكون بينكم في هذا اللقاء على المحبّة الذي تحتضنه اللاذقية، بيت الحركة الكبير. وبقدر الاشتياق يغمرني الايمان بأنّ الله يجمعنا كلّنا، أينما كنّا وأقمنا، لنكون فيه، وبه، وإليه واحداً. فكم نكون معاً حين تجمعنا المحبّة وربّنا هو المحبّة بملئها.
يا أحبّة،
من الوجوه التي تعبر بك من يصرّ على استباحة كيانك وكسر خطيئتك ليُعلي فيك شأن الحبّ. تحتار أنت في الأمر والسبب، وتراوح في حيرتك إلى أن يحتجب الوجه في النور الذي لا يغرب. فيرميك بأشعّة من السماء تقيمُكَ في الضياء وتعوّم عينيك بالطين الذي ليس من عمى بعده. حينها ينجلي لك السرّ والأمر معاً. فترى نفسك أمام ملاك محرّر من ثقل بشريته، رسول حبٍّ واحتضان، قذفَه اليك ذلك الوجه اللامع ألوهةً، المرفوع حباً على خشبة ممهورة بدم ودمع.
روي فيتالي عرفته هذا الرسول. معه عاينت أن لتسبيح الله لغتان، تلك التي تبدعها الحناجر، وتلك التي اثمرها وصالُ المصلوب مع المحبوب بالفداء. مِن شغفه بهذا الفداء ولد رويّ في العطاء والالتزام. بحثَ عن ساحة من بشرٍ ينمّي فيها شغفَه ويمدُّه مزاودَ ولادةٍ للطفل في القلوب، فأهداه الله الى ساحة الأخوّة الأجمل، تلك التي نسمّيها حركة الشبيبة الأرثوذكسية، ليُبنى، بجماعة الأخوة، ويبني فيهم ما يقيمه ويقيمهم في فرح الخلاص. منذ نحو أحد عشر عاماً، يومَ حملتني محبّة الأخوة الى خدمة الأمين العام، هالتني الظروف التي تحوط ببلدينا والمسافات التي تفصل بيننا في ظلّها،
وما قد تطبعه من أثر سلبيّ على وحدتنا في المسيح. فرحت أبحث عن شركاء في الخدمة يختصرون بتعبهم المسافات ويهوّنون بجهادهم الصعاب. وبمشورة الأخوة كان الحبيب المنتقل عنّا أحد هؤلاء. ما عاينته في خدمتي أيها الأحبّة، حتّى اليوم، أنّ كثيرين هم من أهداهم الله الى الحركة وتحلّوا بالتزام مشهود واخلاص. لكنّ قلّة عرفت الحركة بما لكلمة معرفة من بُعد انجيليّ. أيّ قلّة هي التي اتحّدت بالحركة وغاصت فيها عمقاً حتى كشفت حقيقتها والتصقت بالرجاء الذي فيها لتصير الحركة بعضاً من لحمها ودمها وفرحها وحزنها ويومها وصلاتها. وأشهد أنّ رويّ هو أحد هذه القلّة. يومَ لحظ الرجاءَ القائم في عيون الأخوة، أيقن رويّ أن الضعفات التي تعترينا، جماعة وأشخاصاَ، في كنيسة الربّ لا تُبطل ما كلّفنا الله به، فالرجاء بالله ورحمته يحثّنا على أن نحملها الى قدميّ المصلوب ليغسلها بدمه في حركة توبة إليه لا تتوقف الا يوَم رقادنا على رجاء القيامة.
لذلك عاش روي فيتالي توبته الكبرى حباً للأخوة وثقة بهم لا يُضعفها اختلاف أو يُبطلها خلاف. وهذا ما أهّله ليكون حاضراً، فاعلاً حيث تدعو الحاجة في الأزمات، الصغرى والكبرى، ساعياً إلى اعلاء شأن ما يجمع الكلّ في الربّ دون أن يهابَ الدفاع عمّا كُشف له من حقّ أو يخجل بالوفاء للحركة الأمّ التي ولدته في المسيح الحقّ.
من حبّه هذا للجماعة وقربه من مؤسّسيها، ومعلّميها الكبار،كملاك اللاذقية المطران يوحنّا وغيره من الاناجيل الحيّة، سعى رويّ الى أن يرسخ في التزام الربّ وقضيّة كنيسته عبر الحركة عاشقاً الأبعاد الرحبة للنهضة به المستلهمَة من رحابة الحاضن للكون على الصليب. فكان، أحياناً كثيرة، يعبر بهذه الأبعاد من مكان حركيّ الى آخر مُتحلياُ ومتحصَّناً بهويّة انطاكية وحدوية لم يعرف الكنيسة والحركة خارجها. وهذا ما نصّبه مدافعاً، مشجعاً وناشطاً ساعياً لانجاح كلّ ما يساهم في ترسيخ وحدة الحركة ويُجسّدها في آن. رويّ فيتالي كان على يقين أنّ انتماءه الى حركة الشبيبة الأرثوذكسية لا يستقيم إلا إن تكامل بُعدُه الرعائيّ المحلّي مع بُعده الانطاكيّ العام واستحالت الهموم المحلّية مكوناً من مكوّنات الهموم العامّة والعكس بالعكس. وكأنّي به يقول أننا إن انتمينا الى حركة الشبيبة الأرثوذكسية في اللاذقية، أو غيرها، انتمينا الى حركة الشبيبة الأرثوذكسية الانطاكية الواحدة وإلى همومها وقضاياها الواحدة في كلّ مكان. ولعلّ من هذه المعرفة العميقة بالحركة وقضاياها نشأ وعيه لصدارة الحريّة في ورشة التزام المسيح، خصوصاً منها حريّة الأجيال الشابة. فجسّد وعيه باحتضان شرائح الشباب والمناداة بأن تلين الأطر والأنظمة إزاء دور هذه الشرائح في حياة الحركة. فألا تتجلّى الأصالة الحركيّة بتجدّد وحيوية وابداع شبابيّ عَكَسه انجيل الربّ وبإبطال خوف وجمود لا يعنيانه؟
بهذه الحيويّة تعامل رويّ مع ما يلهمنا إليه الانجيل أولاً، مع قضية الفقراء والمحتاجين أحبّاء السيّد. فبرزت صدارة هذه القضيّة لديه بما قام به عبر هيئة الطوارئ الاجتماعية. حثّ الأخ رويّ على أن تتواتر مساعدات الهيئة بشكل مكثّف. ساهم، بشكل أساس، في تسهيل إيصال المساعدات الى وجهتها. انشغل بالبحث عمّا يساعد في ثبات خدمة الهيئة عبر تغذية مصادر تمويلها. قدّم وسأل وتابع وانتقل ولاحق ، وهذا كلّه بصمت الأبن الباحث عن فعل محبّة من تلك المحبّة التي شعّت على الكون نوراً قيامياً.
يا أحبّة، على رجاء أن يعمّ بيننا الشغف بهذا الفعل وتفيض حياة الحركة بمثل هذه الاضاءات ويغمركم سلام الربّ، اسمحوا لي أن أتوجّه بكلمات الى العزيز رويّ.
فيا أيها العزيز،
لقد انجزتَ وأتمّمت ما كلّفك الله به، عبر الأخوة، بصمت. أنت مقتّ الضجيج لأنّك استذوقت التسبيح وسُحرت بتلك الجمالات التي ارتدّت اليك من السماء لتزيدك تهليلاً وتسبيبحاً للربّ. لهذا سيُثمر جهادك أزهاراً كثيرة يفوح منها عطر استقامة الرؤية والنهضة والثبات في الحبّ. نفتقدك، في هذا الجماعة الساحرة معلماً في المثابرة والجرأة والالتزام، ونحنّ إليك وجها حاضناً. لكّننا ننعم بفعل صلاتك من جوار القدّيسين. أرقد بسلام الروح، أيها العزيز، واطمئن. إطمئن إلى أننا، جميعاً، سنبقى على الحبّ الأولّ، الحبّ الذي سطع في من سبقك وفيك، وإلى أن كنيسة الله في أنطاكية، وقد ترطّبت بدموع الربّ، ستتلألأ ببهائه اليوم أو غداً. أما صلاتنا لأجل أن يكافئ الربّ تعبك بالقيامة فلن تفتر إلى أن يحلّ علينا ذلك اليوم العظيم الذي فيه ستحنّ علينا رحمة الربّ في محكمة الحبّ لننعم بفرح لا حزن بعده. وإلى حينه نحن على لقاء محبّة في كلّ ذبيحة الهية.
المسيح قام.
رينه أنطون.