قلقهم علينا يرعبنا

الأب جورج مسّوح Wednesday October 8, 2014 84

منذ زمن طويل ثمّة قلق على المسيحيّين الشرقيّين. منذ نشوء الإسلام إلى يومنا الحاضر، مرورًا بالدول كافّة التي حكمت هذه الديار، ثمّة قلق على المسيحيّين الشرقيّين. وسيبقى هذا القلق مقيمًا ما دام ثمّة مسيحيّ يسعى على أرض هذا الشرق. ولكن شتّان ما بين قلق وقلق. فقلق المسيحيّين الشرقيّين هو غير قلق الأوروبيّين، وله أسباب متعدّدة، وسبل معالجة مختلفة جذريًّا. ولا يمكن عزل قلق الأوروبيّين على المسيحيّين عن مصالحهم الخاصّة وضرورة الحفاظ على ما يمكن التذرّع به من أجل إيجاد موطئ قدم في صراعات الأمم على ثروات هذه المنطقة.

فماذا فعلت فرنسا، وأوروبا استلحاقًا، من أجل بقاء مسيحيّي فلسطين أو العراق أو سوريا في ديارهم؟ ألم نسمع من بعض الدوائر الأوروبيّة تشجيعًا لهؤلاء على الرحيل واستعدادًا لإيوائهم في بلاد الهجرة؟ علمًا أنّ هذا ليس بالأمر الجديد، فما زالت ماثلة أمامنا صور مجازر الأرمن، ونزوح اليونانيّين من غربي تركيا، والسريان من ماردين وديار بكر، والروم الأنطاكيّين مع انهيار الدولة العثمانيّة واستيلاء العلمانيّين الأتراك، حلفاء فرنسا، على الحكم مع انهيار السلطنة العثمانيّة.

لكن في المقابل لا يمكن أن نستسيغ الخطاب الخشبيّ الذي يستعمله بعض الإسلاميّين حين تثار مسألة الوجود المسيحيّ، فتراهم يستلّون من القرآن الكريم بعض الآيات، ومن التاريخ بعض الأخبار والروايات التي تتحدّث عن سماحة الإسلام وقبوله بغير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ… حتّى بتنا اليوم وكأنّنا أمام إسلامين أو أكثر، إسلام متخيَّل موجود في باطن الكتب، وإسلام مغاير كلّيًّا نقرأ أخباره وفتاواه في الصحف، ونشاهدها على شاشات التلفزة.

بيد أنّ قلق الأوروبيّين على المسيحيّين الشرقيّين لا يطمئن البتّة، ذلك أن مصالح الدول تطيح بأكبر الشعارات حين يأتي أوان قياس الفائدة منها. يقلقنا هذا القلق الأوروبيّ على مسيحيّي بلادنا أكثر ممّا يطمئننا. ولن يخفّف من وطأة هذا القلق سوى المواطنة التي يمكن أن تحفظ للمسيحيّين، مهما قلّ عددهم أو قلّت نسبتهم، كرامتهم وشعورهم بأنّ حضورهم إنّما هو حيويّ بالنسبة إلى شركائهم في المواطنة المنشودة.

يبقى أنّ قلق المسيحيّين الشرقيّين على بقائهم في ديارهم قلق حقيقيّ، لكنّ له أسبابه المختلفة عن غايات الأوروبيّين وأهدافهم ومصالحهم. ومن مولّدات هذا القلق سقوط حلم الدولة العادلة التي تحترم المساواة التامّة بين سائر أبنائها على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم.

وثمّة أمر آخر هو ظهور إسلام متشدّد لا يرى الحداثة إلاّ في العودة إلى السلف الصالح. وهذا لا يعني إعفاء المؤسّسات الإسلاميّة المعتدلة من مسؤوليّتها الكبرى عن تنامي التطرّف، لأسباب شتّى أهمّها رضوخها التامّ لإرادات الأنظمة الحاكمة هنا وثمّة.

أزمة المسيحيّين الشرقيّين هي جزء من أزمة المسلمين ولا حلّ لإحداهما من دون حلّ الأخرى. المصيران متلازمان، وعبثًا نبحث خارج هذا الإطار. غير أنّ ما يثير الاستغراب هو غياب أيّ ردّ فعل إسلاميّ ناجع يساهم في إيقاف هذه الكارثة الإنسانيّة التي تطال المسلمين والمسيحيّين وسواهم. والسؤال الأساسي هو: هل ما زال الحضور المسيحيّ في المشرق العربيّ ضرورة لدى المسلمين؟ أم أنّ هجرة المسيحيّين باتت لا تعنيهم، فوجودهم وهجرتهم سيّان؟

الأب جورج مسّوح

“النهار”، 8 تشرين الأول 2014

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share